قوله تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ...﴾ الآية. [٩٠].
أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر المُطَّوِّعي، قال: حدَّثنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحِيري، قال: حدَّثنا أحمد بن علي المَوْصِلي، قال: حدَّثنا أبو خَيْثَمَة، قال: حدَّثنا الحسن أبو موسى، قال: حدَّثنا زُهَيْر، قال: حدَّثنا سِمَاك بن حَرْب، قال: حدَّثني مُصْعَب بن سعد بن أبي وَقّاص، عن أبيه، قال:
أَتَيْتُ على نفر من المهاجرين [والأنصار]، فقالوا: تعال نطعمك ونسقيك خمراً، وذلك قبل أن تحرّم الخمر، فأتيتهم في حُشٍّ - والحُشُّ: البستان - فإذا رأس جَزُور مشوي عندهم ودَنّ من خمر، فأكلت وشربت معهم، وذكرتُ الأنصار والمهاجرين، فقلت: المهاجرونَ خيرٌ من الأنصار، فأخذ رجل [أحد] لحِيي الرأس [فضربني به] فجَذَعَ أنفي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأنزل الله فِيّ [يعني نفسه] شأنَ الخمرِ: ﴿إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ﴾ الآية.
رواه مسلم، عن أبي خَيْثَمَة.
أخبرنا عبد الرحمن بن حَمْدان العدل، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك، قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدَّثني أبي، قال: حدَّثنا خلف بن الوليد، قال: حدَّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي مَيْسَرَة، عن عمر بن الخطاب، قال:
اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً. فنزلت الآية التي في البقرة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ﴾ فدُعي عُمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في النساء: ﴿يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ﴾ فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة ينادي: لا يقربَنَّ الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ﴾ فدُعِي عمر فقرئت عليه فلما بلغ: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ قال عمر: انتهينا [انتهينا].
وكانت تحدث أشياء يكرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بسبب شرب الخمر قبل تحريمها، منها قصة علي بن أبي طالب مع حمزة رضي الله عنهما. وهي ما:
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي خالد، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى المَرْوَزِيّ، قال: حدَّثنا أحمد بن صالح، قال: أخبرنا عَنْبَسَة، قال: أخبرنا يوسف، عن ابن شهاب، قال: أخبرني علي بن الحسين: أن حسين بن علي أخبره: أم علي بن أبي طالب قال:
كانت لي شَارِفٌ من نصيبي من المَغْنَم يوم "بدر"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعطاني شَارِفاً من الخُمْس، ولما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَاعَدْت رجلاً صَوَّاغاً من بَني قينُقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذْخر أردت أن أبيعه من الصَّوَّاغِين فأستعين به في وليمة عرسي، فبينما أنا أجمع لشارفيّ [متاعاً] من الأقتاب والغَرَائِرِ والجِبِال، وشارفاي مناختان إلى جنب حُجْرَة رجل من الأنصار - أقْبِلْتُ فإذا أنا بشارفيّ قد أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهما وبُقرِتَ خَوَاصِرُهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عَيْنَيَّ حين رأيت ذلك المنظر، وقلت من فعل هذا؟ فقالوا: فعله حمزة [ابن عبد المطلب] وهو في البيت في شَرْبٍ من الأنصار غنّت قينة فقالت في غنائها:
ألا يا حَمْزَ للشُّرُفِ النّـِوَاءِ * وهُنَّ مُعَقَّلاَتٌ بالفِنَــاءِ
ضَعِ السِّكِّينَ في اللِّبَّاتِ مِنْهَا * فَضَرِّجْهُنَّ حمزة بالدِّمَـاء
وأطْعِمْ مِنْ شَرَائِحَهَا كَبَاباً * مُلَهْوَجَةً على وَهَجِ الصَّلاَءِ
فَأَنْتَ أَبَا عُمَارَةٍ المُرَجَّى * لِكَشْفِ الضُّرِّ عَنَّا والبَـلاَءِ
فوثب إلى سيف فاجْتَبَّ أسْنِمَتهما، وبقَرَ خَوَاصِرَهما، وأخذ من أكبادهما. قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم عنده زَيْدُ بن حَارثة. قال: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتيت له فقال: مالك؟ فقلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم، عَدا حمزة على نَاقَتيَّ فاجْتبَّ أسنمتهما، وبقر خَوَاصِرَهما، وها هو ذا في بيت معه شَرْبٌ.
قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، ثم انطلق يمشي، فاتبعت أثره أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي هو فيه، فاستأذن فأُذِنَ له، فإذا هم شَرْبٌ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صعَّد النظر [فنظر إلى ركبته ثم صعد النظر] فنظر إلى وجهه ثم قال: وهل أنتم إلا عَبِيدُ أبي؟ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثَمِلٌ، فنَكَصَ على عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى فخرج وخرجنا.
رواه البخاري عن أحمد بن صالح. وكانت هذه القصة من الأسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر.