قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾. [١٧].
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد العطار، قال: حدَّثنا محمد بن عبد الله بن محمد البَيّاع، قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشَّعْرَاني، قال: حدَّثني جدي، قال: حدَّثنا إبراهيم بن المنذر الجِزَامِي، قال: حدَّثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عُقْبَة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال:
أقبل أبيّ بن خَلَف يوم "أحد" إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريده، فاعترض له رجال من المؤمنين، فأمرهم رسول الله عليه السلام فخلوا سبيه، فاستقبله مُصْعَب بن عُمَيْر - أحد بني عبد الدَّار- ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترقوة أبيّ من فُرْجَة بين سابِغَة البَيْضة والدرع، فطعنه بحربته، فسقط أبيّ عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دم، وكسر ضلعاً من أضلاعه، فأتاه أصحابه، وهو يخور خوار الثور، فقالوا له: ما أعجزك! إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المَجَازِ لماتوا أجمعين. فمات أُبَيٌّ إلى النار، فسحقاً لأصحاب السعير، قبل أن يقدم مكة. فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾.
وروى صَفْوَان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جُبَير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم "خيبر" دعا بقوس، فأُتِيَ بقوس طويلة، فقال: جيئووني بقوس غيرها. فجاءوه بقوس كبداء فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم [على] الحصن فأَقبل السهم يهوي حتى قتل كِنانة بن أبي الحُقَيق وهو على فراشه فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾.
وأكثر أهل التفسير [على] أن الآية نزلت في رمى النبي عليه السلام القَبْضَة من حَصْبَاءِ الوادي يوم "بدر" حين قال للمشركين: شاهت الوجوه، ورماهم بتلك القبضة، فلم تبق عين مشرك إلا دخلها منه شيء.
قال حَكِيم بن حِزَام: لما كان يوم "بدر" سمعنا صوتاً وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طَسْت، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحصاة فانهزمنا. فذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾.


الصفحة التالية
Icon