قوله تعالى: ﴿وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ...﴾. [١١٥].
اختلفوا في سبب نزولها.
فأخبرنا أبو منصور المنصوري، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدَّثنا أبو محمد إسماعيل بن علي، حدَّثنا الحسن بن علي بن شبيب العمري، حدَّثنا أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري، قال: وجدت في كتاب أبي: حدَّثنا عبد الملك العَرْزَمِيّ، حدَّثنا عطاء بن أبي رَبَاح، عن جابر بن عبد الله، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، سَرِيَّة كنتُ فيها، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة، هي ها هنا قِبَلَ الشمال. فصلّوا وخطّوا خطوطاً. وقال بعضنا: القبلة ها هنا قِبَلَ الجنوب، [فصلوا] وخطوا خطوطاً. فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة. فلما قَفَلْنَا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فسكت، فأنزل الله تعالى: ﴿وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾ الآية.
وأخبرنا أبو منصور، أخبرنا علي، حدَّثنا يحيى بن صاعد، حدَّثنا محمد بن إسماعيل الأَحْمَسِي، حدَّثنا وكيع، حدَّثنا أشعث السَّمَّان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال:
كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، في السفر في ليلة مظلمة، فلم ندر كيف القبلة، فصلى كل رجل منا على حِيَالِه، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾.
ومذهب ابن عمر: أن الآية نازلة في التطوع بالنافلة.
أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، حدَّثنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدَّثنا محمد بن يعقوب، حدَّثنا أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر، حدَّثنا أبو أسامة، عن عبد الملك بن سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، قال:
أنزلت: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾ أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك؛ في التطوع.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي توفي فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن النجاشي توفي فصلّ عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه أن يحضروا، وصفّهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي، فصلوا عليه. فصلّى رسول الله [وهم عليه]. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي لغير قبلتنا. وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات وقد صرفت القبلة إلى الكعبة. فأنزل الله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾.
ومذهب قتادة: أن هذه [الآية] منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء الخراساني. وقال: أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله تعالى: ﴿وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾ قال: فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، ثم صرفه الله تعالى إلى البيت العتيق.
وقال في رواية [علي] بن أبي طلحة الوَالبيّ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة -كان أكثر أهلها اليهود - أمره الله أن يستقبل بيت المقدس. ففرحت اليهود، فاستقبلها بضعة عشر شهراً. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب قبلة إبراهيم؛ فلما صرفه الله تعالى إليها ارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما وَلاَّهُمْ عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ﴾.