قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً...﴾. [١٠٧-١٠٨].
قال المفسرون: إن بني عَمْرو بن عَوْف، اتخذوا مسجد قُبَاء، وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم، فأتاهم فصلى فيه، فحسدهم إخوتهم بنو غُنْم بن عوف، وقالوا: نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه كما صلى في مسجد إخواننا، وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام. وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصّر ولبس المُسُوح، وأنكر دين الحنيفية لمَّا قَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعاداه، وسماه النبي عليه السلام: أبا عامر الفاسق، وخرج إلى الشام، وأرسل إلى المنافقين: أن [أعدوا و] استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح، وابنو لي مسجداً فإني ذاهب إلى قيصر، فآتي بجند الروم، فأُخرج محمداً وأصحابه، فبنوا [له] مسجداً إلى جنب مسجد قُباء، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلاً: خِذَام بن خالد، ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثَعْلَبة بن حاطِب ومُعَتِّب بن قُشَير، وأبو حَبِيبَة بن الأزعر وعبَّاد بن حُنَيف وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد، ونَبْتَل بن حارث [وبحْزَج] وبِجَاد بن عثمان، ووديعة بن ثابت. فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا [قد] بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه. فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم، فنزل عليه القرآن، وأخبره الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدُّخْشُم، ومَعْن بن عَدِيّ، وعامر بن السَّكَن، ووَحْشِيَّاً قاتل حمزة، وقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهلُه، فاهدموه وأحرقوه. فخرجوا، وانطلق مالك وأخذ سعفاً من النخل فأشعل فيه ناراً، ثم دخلوا المسجد وفيه أهله، فحرقوه وهدموه، وتفرق عنه أهله. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة.
ومات أبو عامر بالشك وحيداً غريباً.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدَّثنا [أبو] العباس بن إسماعيل بن عبد الله بن مِيكَال، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى الأهْوَازِيّ، أخبرنا إسماعيل بن زكريا، حدَّثنا داود بن الزِّبْرِقان، عن صخر بن جُوَيْرِية عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها، قال:
إن المنافقين عرضوا المسجد يبنونه ليُضَاهِئُوا به مسجد قُباء، وهو قريب منه، لأبي عامر الراهب، يرْصُدُونَهُ إذا قَدِمَ ليكون إمامهم فيه. فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إنا [قد] بنينا مسجداً فصل فيه حتى نتخذه مصلى. فأخذ ثوبه ليقوم معهم، فنزلت هذه الآية: ﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً﴾.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ...﴾ الآية. [١١١].
قال محمد بن كعب القُرَظِيّ: لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة العَقَبة بمكة، وهم سبعون نفساً -قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم. قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا؟ قال: الجنة، قالوا: رَبحَ البيعُ، لا نُقِيلُ ولا نَسْتَقِيلُ. فنزلت هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon