قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [٦].
قال المفسرون: نزلت هذه الآية في بني النَّضِير، وذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالحة بنو النَّضِير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه، وقَبِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم. فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وظهر على المشركين، قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة، لا تُردُّ له رايةٌ. فلما غزا أُحُداً وهُزم المسلمون، نقضوا العهد، وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين. فحاصروهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صالحهم على الجلاء من المدينة.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحَلْقة، والحصون، وإنكم لتقاتلنّ صاحِبنَا أو لنفعلن كذا، ولا يحول بيننا وبين خَدَم نسائكم - وهي الخلاخل - شيء. فلما بلغ كتابُهم اليهودَ أجمعت بنو النضير [على] الغدر، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك، وليخرجْ منا ثلاثون حَبْراً، حتى نلتقي بمكان نَصَف بيننا وبينك، ليسمعوا منك، فإن صدَقوك وآمنوا بك آمنا بك كلّنا. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه، وخرج إليه ثلاثون حَبْراً من اليهود، حتى إذا برزوا في بَرَاز من الأرض، قال بعض اليهود لبعض: كيف تخلُصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلُّهم يُحب أن يموت قبله؟ فأرسلوا [إليه] كيف نفهم ونحن ستون رجلاً؟ أخرج في ثلاثة من أصحابك، ونخرج إليك ثلاثة من علمائنا، إن آمنوا بك آمنا بك كلُّنا وصدقناك. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه، وخرج ثلاثة من اليهود، واشتملوا على الخناجر، وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأرسلت امرأة ناصحةٌ من بني النَّضِير إلى أخيها - وهو رجل مسلم من الأنصار - فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فسارَّه بخبرهم فرجع النبي صلى الله عليه وسلم. فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب، فحاصرهم وقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، على أنّ لهم ما أقلَّت الإبل إلا الحَلْقة، وهي السلاح وكانوا يُخَرِّبون بيوتهم، فيأخذون ما وافقهم من خشبها، فأنزل الله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ﴾ حتى بلغ: ﴿وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.