قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ...﴾ الآية، [١٨٩].
قال معاذ بن جبل: يا رسول الله، إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال قتادة: ذُكر لنا أنهم سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم: لم خلقت هذه الأهلة؟ فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ﴾.
وقال الكلبي: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة وهما رجلان من الأنصار، قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينتقص ويدق حتى يكون كما كان: لا يكون على حال واحدة؟ فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾، [١٨٩].
أخبرنا محمد بن إبراهيم المُزكي، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا أبو خليفة، حدَّثنا أبو الوليد والحوضي قالا: حدَّثنا شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق، قال سمعت البراء [بن عازب] يقول:
كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قِبَلِ باب، فكأنما عير بذلك، فنزلت هذه الآية.
رواه البخاري عن أبي الوليد.
ورواه مسلم عن بُنْدَار، عن غُنْدَر عن شعبة.
أخبرنا أبو بكر التميمي، حدَّثنا أبو الشيخ، حدَّثنا أبو يحيى الرازي، حدَّثنا سهل بن عُبيد، حدَّثنا عبيدة، عن الأعمش، عن أبي سفيان؛ عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحُمُس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام؛ فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بستان إذ خرج من بابه، وخرج معه قُطْبَةُ بن عامر الأنصاري، فقالوا يا رسول الله: إن قطبة بن عامر رجل فاجر، وإنه خرج معك من الباب. فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت، فقال: إني أَحْمِسيّ، قال: فإن ديني دينُك، فأنزل الله ﴿وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾.
وقال المفسرون: كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة، لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه، فإن كان من أهل المدن نَقَب نَقْباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلماً فيصعد فيه، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط، ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه، ويرون ذلك ديناً إلا أن يكون من الحمس وهم قريش، وكِنَانَة، وخُزَاعةَ وثَقِيف، وخَثْعَم، وبنو عامر بن صَعْصَعَة، وبنو النَّضرْ بن معاوية؛ سموا حمساً لشدتهم في دينهم قالوا: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم بيتاً لبعض الأنصار، فدخل رجل من الأنصار على أثره من الباب وهو محرم، فأنكروا عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب وأنت محرم؟ فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على أثرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحمسي، قال الرجل: إن كنت أحْمسياً فإني أحمسي، ديننا واحد، رضيت بهديك وسمتك ودينك، فأنزل الله تعالى هذه الآية.