قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ﴾ الآية [٢٦٠].
ذكر المفسرون السبب في سؤال إبراهيم ربه أن يريه إحياء الموتى:
أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أخبرنا شعبة بن محمد، أخبرنا مكي بن عبدان، حدَّثنا أبو الأزهر، حدَّثنا روح، حدَّثنا سعيد، عن قتادة قال:
ذكِرَ لنا: أن إبراهيم آتى على دابة ميتة وقد توزعتها دواب البر والبحر، فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى؟
وقال الحسن، وعطاء الخراساني، والضحاك، وابن جريج: [إن إبراهيم الخليل مر على دابة ميتة، قال ابن جريج]: كانت جيفة حمار بساحل البحر. قال عطاء: بحيرة طبرية. قالوا: فرآها وقد توزَّعتها دواب البر والبحر، فكان إذا مَدَّ البحرُ جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها، فما وقع منه يصير في الماء؛ وإذا جَزَرَ البحرُ جاءت السباع فأكلت منها، فما وقع منها يصير تراباً؛ فإذا ذهبت السباع جاءت الطير فأكلت منها، فما سقط قطعته الريح في الهواء. فلما رأى ذلك إبراهيم تعجب منها، وقال: يا رب قد علمت لتجمعنها، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك.
وقال ابن زيد: مرّ إبراهيم بحوت ميت، نصفه في البر ونصفه في البحر فما كان في البحر فدواب البحر تأكله، وما كان منه في البر فدواب البر تأكله؛ فقال له إِبليس الخبيث: متى يجمع الله هذه الأجزاء من بطون هؤلاء؟ فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ بذهاب وسوسة إبليس منه.
أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني فيما أذن لي في روايته، حدَّثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدَّثنا محمد بن سهل، حدَّثنا سلمة بن شبيب، حدَّثنا إبراهيم بن الحكم بن ابان، حدَّثنا أبي قال:
كنت جالساً مع عكرمة عند الساحل، فقال عكرمة: إِن الذين يغرقون في البحار تَقَسَّمُ الحيتان لحومهم، فلا يبقى منهم شيء إلا العظام، فتلقيها الأمواج على البر فتصير حائلَةً نَخِرَةً، فتمر بها الإبل فتأكلها فتبعر، ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدون فتخمد تلك النار، فتجيء ريح فتسفي ذلك الرماد على الأرض، فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء، وذلك قوله تعالى: ﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾.
وقال محمد بن إسحاق بن يسار: إِن إِبراهيم لما احتج على نمروذ فقال: ربي الذي يحيي ويميت. وقال نمروذ أنا أحيي وأميت؛ ثم قتل رجلاً وأطلق رجلاً قال: قد أمت ذلك وأحييت هذا. قال له إبراهيم: فإن الله يحيي بأن يرد الروح إلى جسد ميت، فقال له نمروذ: هل عاينت هذا الذي تقوله؟ فلم يقدر أن يقول: نعم رأيته، فانتقل إلى حجة أخرى، ثم سأل ربه أن يريه إِحياء الموتى لكي يطمئن قلبه عند الاحتجاج، فإنه يكون مخبراً عن مشاهدة وعيان.
وقال ابن عباس، وسعيد بن جبير، والسدي: لما اتخذ الله إِبراهيم خليلاً استأذن ملك الموت ربه أن يأتي إبراهيم فيبشره بذلك، فأتاه فقال: جئتك أبشرك بأن الله تعالى اتخذك خليلاً، فحمد الله عز وجل وقال: ما علامة ذلك؟ فقال: أن يجيب الله دعاءك، ويحيي الموتى بسؤالك، ثم انطلق وذهب، فقال إِبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي بعلمي أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك؛ وأنك اتخذتني خليلاً.