الحكم لله عز وجل ثم قال تعالى: ﴿فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون﴾ اليوم يعني يوم القيامة، الذين آمنوا يضحكون من الكفار فـ ﴿فالذين﴾ مبتدأ و ﴿يضحكون﴾ خبره و ﴿من الكفار﴾ متعلق بيضحكون، والمعنى: فالذين آمنوا يضحكون اليوم من الكفار، وهذا والله هو الضحك الذي لا بكاء بعده، أما ضحك المجرمين بالمؤمنين في الدنيا فسيعقبه البكاء والحزن والويل والثبور ﴿على الأرائك ينظرون﴾ أي أن المؤمنين على الأرائك في الجنة، والأرائك هي السرر الفخمة الحسنة النضرة ﴿ينظرون﴾ أي ينظرون ما أعد الله لهم من الثواب، وينظرون أولئك الذين يسخرون بهم في الدنيا، ينظرون إليهم وهم في عذاب الله كما قال الله تعالى: ﴿قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمدينون. قال هل أنتم مطلعون﴾ [الصافات: ٥١ ـ ٥٤]. يقول لأصحابه في الجنة يعرض عليهم أن يطلعوا إلى قرينه الذي كان في الدنيا ينكر البعث ويكذب به ﴿فاطلع فرآه في سواء الجحيم﴾ (الصافات: ٥٥) في قعره وأصله قال له: ﴿تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين﴾ (الصافات: ٥٦ - ٦٧) فأنت ترى أن المؤمنين يرون الكفار وهم يعذبون في قعر النار والمؤمنون في الجنة.
ثم قال تعالى: ﴿هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون﴾ ﴿ثوب﴾ أي جوزي، و ﴿هل﴾ هنا للتقرير أي أن الله تعالى قد ثوب الكفار وجازاهم جزاء فعلهم في الدنيا، وهو سبحانه وتعالى حكم عدل. فحكمه دائر بين العدل والفضل، بالنسبة للذين آمنوا حكمه وجزاؤه فضل، وبالنسبة للكافرين حكمه وجزاؤه عدل، فالحمد لله رب العالمين، وبهذا تم الكلام الذي يسره الله عز وجل على سورة المطففين نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم به، وأن يجعلنا من المتعظين الواعظين. إنه جواد كريم.