كما أنها سمعت وأطاعت في ابتداء خلقها، ففي ابتداء خلقها قال الله تبارك وتعالى: ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين﴾ [فصلت: ١١]. فتأمل أيها الآدمي البشر الضعيف كيف كانت هذه المخلوقات العظيمة تسمع وتطيع لله عز وجل، هذه الطاعة العظيمة في ابتداء الخلق وفي انتهاء الخلق. في ابتداء الخلق قال: ﴿ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين﴾ في انتهاء الخلق ﴿إذا السماء انشقت. وأذنت لربها وحقت﴾ حُق لها أن تأذن تسمع وتطيع. ثم أعاد قال: ﴿وأذنت لربها وحقت﴾ تأكيداً لاستماعها لربها وطاعتها له.
﴿وإذا الأرض مدت﴾ هذه الأرض التي نحن عليها الان هي غير ممدودة، أولاً: أنها كرة مدورة، وإن كانت جوانبها الشمالية والجنوبية منفتحة قليلاً ـ أي ممتدة قليلاً ـ فهي مدورة الآن، ثانياً: ثم هي أيضاً معرجة فيها المرتفع جداً، وفيها المنخفض، فيها الأودية، فيها السهول، فيها الرمال، فهي غير مستوية لكن يوم القيامة ﴿وإذا الأرض مدت﴾ أي تمد مدًّا واحداً كمد الأديم يعني كمد الجلد، كأنما تفرش جلداً أو سماطاً، تُمد حتى إن الذين عليها ـ وهم الخلائق ـ يُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، لكن الآن لا ينفذهم البصر، لو امتد الناس على الأرض لوجدت البعيدين منخفضين لا تراهم لكن يوم القيامة إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم كما جاء في الحديث: «يجمع الله تعالى يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفُذُهُم البصر» (١). ﴿وألقت ما فيها وتخلت﴾ أي جثث بني آدم تلقيها يوم القيامة، تلقي هذه الجثث فيخرجون من قبورهم لله عز
_________
(١) أخرجه الخاري كتاب التفسير باب) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ) (٤٧١٢) ومسلم كتاب الإيمان، باب ادنى أهل الجنة منزلة فيها (١٩٤) (٣٢٧).