اليوم» (١)، ولا شك أن هذا حساب يسير يظهر فيه منّة الله على العبد، وفرحه بذلك واستبشاره. والمحاسب له هو الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿إن إلينا إيابهم. ثم إن علينا حسابهم﴾ [الغاشية: ٢٥، ٢٦]. ﴿وينقلب إلى أهله مسروراً﴾ ينقلب من الحساب إلى أهله في الجنة مسروراً، أي مسرور القلب، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر (٢)،
ثم هم بعد ذلك درجات، وهذا يدل على سرور القلب؛ لأن القلب إذا سُر استنار الوجه ﴿وأما من أوتي كتابه وراء ظهره. فسوف يدعو ثبورًا. ويصلى سعيًرا﴾ هؤلاء هم الأشقياء والعياذ بالله، يؤتى كتابه وراء ظهره وليس عن يمينه، وفي الآية الأخرى في سورة الحاقة ﴿وأما من أوتي كتابه بشماله﴾ [الحاقة: ٢٥]. فقيل: إن من لا يؤتى كتابه بيمينه ينقسم إلى قسمين: منهم من يؤتى كتابه بالشمال، ومنهم من يؤتى كتابه وراء ظهره، والأقرب والله أعلم أنه يؤتى كتابه بالشمال، ولكن تلوى يده حتى تكون من وراء ظهره، إشارة إلى أنه نبذ كتاب الله وراء ظهره، فيكون الأخذ بالشمال ثم تلوى يده إلى الخلف إشارة إلى أنه قد ولى ظهره كتاب الله عز وجل ولم يبال به، ولم يرفع به رأساً، ولم ير بمخالفته بأساً.
﴿فسوف يدعو ثبوراً﴾ أي يدعو على نفسه بالثبور، يقول: واثبوراه يا ويلاه، وما أشبه ذلك من كلمات الندم والحسرة، ولكن هذا لا ينفع في ذلك اليوم؛ لأنه انتهى وقت العمل، فوقت العمل هو في الدنيا، أما في الآخرة فلا عمل وإنما هو الجزاء ﴿ويصلى سعيًرا﴾ أي يصلى النار التي
_________
(١) تقدم تخريجه ص (٥٣).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وانها مخلوقة (٣٢٤٦). ومسلم كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الحنة (٢٨٣٤) (١٤)..


الصفحة التالية
Icon