ورماناً، وفاكهةً، ولحمَ طير، وعسلاً، ولباًن، وماءً، وخمراً، لكن حقائق هذه الأشياء ليست كحقائق ما في الدنيا أبداً، لأنها لو كانت حقائقها كحقائق ما في الدنيا لكنا نعلم ما أخفي لنا من هذا، ولكنها أعظم وأعظم بكثير مما نتصوره، فالرمان وإن كنا نعرف معنى الرمان، ونعرف أنه على شكل معين، وطعم معين، وذو حبات معينة، لكن ليس الرمان الذي في الآخرة كهذه فهو أعظم بكثير، لا من جهة الحجم، ولا من جهة اللون، ولا من جهة المذاق، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء فقط) (١)، أما الحقائق فهي غير معلومة.
وقوله: ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ قال العلماء: ﴿من تحتها﴾ أي من تحت أشجارها وقصورها وإلا فهي على السطح فوق، ثم هذه الأنهار جاء في الأحاديث أنها لا تحتاج إلى حفر ولا تحتاج إلى بناء أخدود (٢)، وفي هذا يقول ابن القيم في النونية:
أنهارها في غير أخدود جرت
سبحان ممسكها عن الفيضان
الأنهار في المعروف عندنا تحتاج إلى حفر، أو إلى أخدود تمنع من تسرب الماء يميناً وشمالاً، لكن في الجنة لا تحتاج إلى أخدود، تجري حيث شاء الإنسان، يعني يوجهها كما شاء بدون حفر، وبدون إقامة أخدود، والأنهار في هذه الآية وفي آيات كثيرة مجملة لكنه فصلت في سورة القتال ـ سورة محمد ـ قال: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة
_________
(١) أخرجه مسلم كتاب الزهد باب تحريم الرياء (٢٩٨٥) (٤٦).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٣/٩٧) وهناد في الزهد (٩٥) والطبري في تفسيره للآية (٢٥) من سورة البقرة وأبو نعيم في صفة الجنة (٣١٥) وانظر تفسير ابن كثير ٤/ ص ٢٧١ عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفاً.