وصفه بذلك. ثم قال تعالى: ﴿إنه على رجعه لقادر﴾ ﴿إنه﴾ أي الله عز وجل. ﴿على رجعه﴾ أي على رجع الإنسان ﴿لقادر﴾ وذلك يوم القيامة لقوله ﴿يوم تبلى السرائر﴾ فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدافق المهين، قادر على أن يعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقب، وهو قياس عقلي، فإن الإنسان بعقله يقول إذا كان الله قادراً على أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ويحييه قادر على أن يعيده مرة ثانية ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه﴾ [الروم: ٢٧].
ولهذا يستدل الله عز وجل بالمبدأ على المعاد لأنه قياس جلي واضح، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعة وبدون كلفة، وقوله: ﴿يوم تبلى السرائر﴾ أي تختبر السرائر، وهي القلوب، فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عامل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملة المسلمين حيث كان يُستأذن في قتلهم فيقول: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» (١)، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلانًا منافق، وفلانًا منافق، لكن العمل في الدنيا على الظاهر ويوم القيامة على الباطن ﴿يوم تبلى السرائر﴾ أي تختبر وهذا كقوله: ﴿أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور. وحصل ما في الصدور﴾ [العاديات: ٩، ١٠]. ولهذا يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عمل الجوارح علامة ظاهرة، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن الخوارج يخاطب الصحابة يقول: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم ـ يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة لكن قلوبهم خالية والعياذ بالله ـ لا يتجاوز
_________
(١) أخرجه البخاري كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوة الجاهلية (٣٥١٨).


الصفحة التالية
Icon