﴿فسوى﴾ هو تسوية الإنسان ﴿الذي خلق فسوى﴾ كل شيء يسوى على الوجه الذي يكون لائقاً به. ﴿والذي قدر فهدى﴾ قدر كل شيء عز وجل كما قال تعالى: ﴿وخلق كل شيء فقدره تقديراً﴾ [الفرقان: ٢]. قدره في حاله، وفي مآله، وفي ذاته، وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، فالآجال محدودة، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، وكل شيء مقدر تقديراً كما قال تعالى: ﴿وخلق كل شيء فقدره تقديراً﴾. وقوله: ﴿فهدى﴾ يشمل الهداية الشرعية، والهداية الكونية، الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: ﴿فمن ربكما يا موسى. قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى﴾ [طه: ٤٩، ٥٠]. تجد كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، فالطفل إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه، وانظر إلى أدنى الحشرات النمل مثلاً لا تصنع بيوتها إلا في مكان مرتفع على ربوة من الأرض تخشى من السيول تدخل بيوتها فتفسدها، وإذا جاء المطر وكان في جحورها، أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة لئلا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهد مجرب من الذي هداها لذلك؟ إنه الله عز وجل، وهذه هداية كونية أي: أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه.
أما الهداية الشرعية ـ وهي الأهم بالنسبة لبني آدم ـ فهي أيضاً بينها الله عز وجل حتى الكفار قد هداهم الله يعني بيّن لهم، قال الله تعالى: ﴿وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى﴾ [فصلت: ١٧]. والهداية الشرعية هي المقصود من حياة بني آدم ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات: ٥٦]. وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن


الصفحة التالية
Icon