أجوافهم قطعها، يقول عز وجل: ﴿وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعائهم﴾ [محمد: ١٥]. فلا يستفيدون منه لا ظاهراً ولا باطناً، لا ظاهراً بالبرودة ببرد الوجوه، ولا باطناً بالري، ولكنهم ـ والعياذ بالله ـ يغاثون بهذا الماء ولهذا قال: ﴿تسقى من عين آنية﴾.
فإذا قال قائل: كيف تكون هذه العين في نار جهنم والعادة أن الماء يطفىء النار؟
فالجواب: أولاً: أن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، لو أنها قيست بأمور الدنيا ما استطعنا أن نتصور كيف يكون، أليس الشمس تدنو يوم القيامة من رؤوس الناس على قدر ميل، والميل إما ميل المكحلة وهو نصف الإصبع أو ميل المسافة كيلو وثلث أو نحو ذلك، وحتى لو كان كذلك فإنه لو كانت الآخرة كالدنيا لشوت الناس شيًّا، لكن الآخرة لا تقاس بالدنيا. أيضاً يحشر الناس يوم القيامة في مكان واحد، منهم من هو في ظلمة شديدة، ومنهم من هو في نور ﴿نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم﴾ [التحريم: ٨]. يحشرون في مكان واحد ويعرقون منهم من يصل العرق إلى كعبه، ومنهم من يصل إلى ركبتيته، ومنهم من يصل إلى حِقويه، ومع ذلك هم في مكان واحد. إذن أحوال الآخرة لا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا.
ثانياً: أن الله على كل شيء قدير. ها نحن الآن نجد أن الشجر الأخضر توقد منه النار كما قال تعالى: ﴿الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون﴾ [يس: ٨٠]. الشجر الأخضر رَطِب، ومع ذلك إذا ضرب بعضه ببعض، أو ضرب بالزند انقدح خرج منه نار حارة يابسة، وهو رطب بارد، فالله على كل شيء قدير، فهم يسقون من عين آنية في النار ولا يتنافى ذلك مع قدرة الله عز وجل.


الصفحة التالية
Icon