﴿فذكر﴾ أمره الله أن يذكر ولم يخصص أحداً بالتذكير، أي لم يقل ذكّر فلاناً وفلاناً فالتذكير عام، لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بُعث إلى الناس كافة، أي ذكّر كل أحد في كل حال وفي كل مكان، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام، وذكّر خلفاؤه من بعده الذين خلفوه في أمته في العلم والعمل والدعوة، ولكن هذه الذكرى هل ينتفع بها كل الناس؟ الجواب: لا، ﴿فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ [الذاريات: ٥٥]. أما غير المؤمن فإن الذكرى تقيم عليه الحجة لكن لا تنفعه، لا تنفع الذكرى إلا المؤمن، ونقول إذا رأيت قلبك لا يتذكر بالذكرى فاتهمه، لأن الله يقول: ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ فإذا ذُكرت ولم تجد من قلبك تأثراً وانتفاعاً فاتهم نفسك، واعلم أن فيك نقص إيمان، لأنه لو كان إيمانك كاملاً لانتفعت بالذكرى، لأن الذكرى لابد أن تنفع المؤمنين. ﴿إنما أنت مذكر﴾ يعني أن محمداً عليه الصلاة والسلام ليس إلا مذكراً مبلغاً، وأماالهداية فبيد الله عز وجل، ﴿ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء﴾ [البقرة: ٢٧٢]. وقد قام صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالذكرى والتذكير إلى آخر رمق من حياته حتى أنه في آخر حياته يقول: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» (١)، حتى جعل يغرغر بها عليه الصلاة والسلام، فذكّر صلوات الله وسلامه عليه منذ بعث وقيل له ﴿قم فأنذر﴾ [المدثر: ٢].
إلى أن توفاه الله، لم يأل جهداً في التذكير في كل موقف، وفي كل زمان على ما أصابه من الأذى من قومه ومن غير قومه، والذي قرأ التاريخ ـ السيرة النبوية ـ يعرف ما جرى له من أهل مكة من قومه الذين هم أقرب الناس إليه، والذين كانوا يعرفونه، ويلقبونه
_________
(١) مسند الإمام أحمد (١١٧/ ٣). وسنن ابن ماجه، كتاب الوصايا باب هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (٢٦٩٨).