أيضاً بالليل إذا يسري، والسري هو السير في الليل، والليل يسير يبدأ بالمغرب وينتهي بطلوع الفجر فهو يمشي زمناً لا يتوقف، فهو دائماً في سريان، فأقسم الله به لما في ساعاته من العبادات كصلاة المغرب، والعشاء، وقيام الليل، والوتر وغير ذلك، ولأن في الليل مناسبة عظيمة وهي أن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: «من يسألني فأعطيه، من يدعوني فأستجيب له، من يستغفرني فأغفر له» (١) ولهذا نقول: إن الثلث الآخر من الليل وقت إجابة، فينبغي أن ينتهز الإنسان هذه الفرصة فيقوم لله عز وجل يتهجد ويدعو الله سبحانه بما شاء من خير الدنيا والآخرة لعله يصادف ساعة إجابة ينتفع بها في دنياه وأخراه.
﴿هل في ذلك قسم لذي حجر﴾ لذي عقل، ﴿ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد﴾ الخطاب هنا لكل من يوجه إليه هذا الكتاب العزيز وهم البشر كلهم بل والجن أيضاً ألم تر أيها المخاطب ﴿كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد﴾ يعني ما الذي فعل بهم؟ وعاد قبيلة معروفة في جنوب الجزيرة العربية، أرسل الله تعالى إليهم هوداً عليه الصلاة والسلام فبلغهم الرسالة ولكنهم عتوا وبغوا وقالوا من أشد منا قوة قال الله تعالى: ﴿أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون﴾ [فصلت: ١٥]. فهم افتخروا في قوتهم ولكن الله بين أنهم ضعفاء أمام قوة الله ولهذا قال: ﴿أولم يروا أن الله الذي خلقهم﴾ وعبّر ـ والله أعلم ـ بقوله ﴿الذي خلقهم﴾ ليبين ضعفهم وأنه جل وعلا أقوى منهم، لأن الخالق أقوى من المخلوق {أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا
_________
(١) أخرجه البخاري كتاب الدعوات، باب الدعاء نصف الليل (٦٣٢١) ومسلم كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه (٧٥٨) (١٦٨).