بمعنى (من) أي: ووالد ومن ولد، لأن (من) للعقلاء، و (ما) لغير العقلاء.
وقيل: المراد بالوالد وما ولد كل والد وما ولد، الإنسان والبهائم وكل شيء، لأن الوالد والمولود كلاهما من آيات الله عز وجل، كيف يخرج هذا المولود حيًّا سويًّا سميعاً بصيراً من نطفة من ماء، فهذا دليل على كمال قدرة الله عز وجل، هذا الولد السوي يخرج من نطفة ﴿أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين﴾ [يس: ٧٧]. كذلك الحشرات وغيرها تخرج ضعيفة هزيلة، ثم تكبر إلى ما شاء الله تعالى من حد. والصحيح أن هذه عامة تشمل كل والد وكل مولود ﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد﴾ اللام هنا واقعة في جواب القسم، لتزيد الجملة تأكيداً، و (قد) تزيد الجملة تأكيداً أيضاً فتكون جملة ﴿لقد خلقنا الإنسان﴾ مؤكدة بثلاثة مؤكدات، وهي: القسم، واللام، وقد. ﴿خلقنا الإنسان﴾ الإنسان اسم جنس يشمل كل واحد من بني آدم ﴿في كبد﴾ فيها معنيان:
المعنى الأول: في استقامة، يعني أنه خلق على أكمل وجه في الِخلقة، مستقيماً يمشي على قدميه، ويرفع رأسه، وبدنه معتدلاً. والبهائم بالعكس الرأس على حذاء الدبر، أما بنو آدم فالرأس مرتفع أعلى البدن، فهو كما قال تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم﴾. [التين: ٤].
وقيل: المراد بـ ﴿كبد﴾ مكابدة الأشياء ومعاناتها، وأن الإنسان يعاني المشقة في أمور الدنيا، وفي طلب الرزق، وفي إصلاح الحرث وغير ذلك. ويعاني أيضاً معاناة أشد مع نفسه ومجاهدتها على طاعة الله،