يغدر بأحد، ولا أن يكذب أحداً، ولا أن يخون أحداً، وهو أيضاً متق لله تعالى بقدر ما يستطيع.
كذلك صابر على أقدار الله، كم أوذي في الله عز وجل من أجل طاعته، أليست قريش قد آذوه حتى إذا رأوه ساجداً تحت الكعبة أمروا من يأتي بسلا ناقة فيضعه على ظهره، وهو ساجد عليه الصلاة والسلام؟! (١) وهو صابر في ذلك كله. ويوسف عليه الصلاة والسلام، صبر على أقدار الله فقد أُلقي في البئر في غيابة الجب، وأوذي في الله بالسجن، ومع ذلك فهو صابر محتسب لم يتضجر ولم ينكر ما وقع به. وقوله: ﴿وتواصوا بالمرحمة﴾ أي: أوصى بعضهم بعضاً أن يرحم الآخر، ورحمة الإنسان للمخلوقات تكون في البهائم وتكون في الناطق. فهو يرحم آباءَه، وأمهاته، وأبناءَه، وبناته، وإخوانه، وأخواته، وأعمامه، وعماته، وهكذا. ويرحم كذلك سائر البشر، وهو أيضاً يرحم الحيوان البهيم فيرحم ناقته، وفرسه، وحماره، وبقرته، وشاته، وغير ذلك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (٢). ﴿أولئك﴾ أي هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات ﴿أصحاب الميمنة﴾ أي: أصحاب اليمين، الذين يُؤتون كتابهم يوم القيامة بأيمانهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً. ثم قال عز وجل: ﴿والذين كفروا بآياتنا﴾ أي: جحدوا بها ﴿هم أصحاب المشئمة﴾ ﴿هم﴾ : الضمير هنا جاء للتوكيد، ولو قيل في غير القرآن: والذين كفروا بآياتنا أصحاب المشئمة. لصح لكن هذا من باب التوكيد.
_________
(١) أخرجه البخاري كتاب مناقب الأنصار باب ما ليق النبي ﷺ واصحباه بمكة (٣٨٥٤)، ومسلم كتاب الجهاد والسير باب ما لقي النبي ﷺ من أذى المشركين والمنافقين (١٧٩٤)
(٢) أخرجه الترمزي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الناس (١٩٢٤). وقال: حديث حسن صحيح.