لك من الأولى} هذه الجملة مؤكدة باللام، لام الابتداء و ﴿الآخرة﴾ هي اليوم الذي يبعث فيه الناس، ويأوون إلى مثواهم الأخير إلى الجنة أو إلى النار، فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿وللآخرة خير لك من الأولى﴾ أي: من الدنيا، وذلك لأن الآخرة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وموضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (١). ولهذا لما خير الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مرضه بين أن يعيش في الدنيا ما يعيش وبين ما عند الله، اختار ما عند الله، كما أعلن ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته حيث قال وهو على المنبر: «إن عبداً من عباد الله خيره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عنده فاختار ما عنده»، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وتعجب الناس من بكائه كيف يبكي من هذا، ولكنه رضي الله عنه كان أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. علم أن المخير هو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه اختار ما عند الله وهو الآخرة، وأن هذا إيذان بقرب أجله. (٢)
﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ ﴿ولسوف﴾ اللام هذه أيضاً للتوكيد وهي موطئة للقسم، و ﴿سوف﴾ تدل على تحقق الشيء لكن بعد مهلة وزمن ﴿يعطيك ربك﴾ أي يعطيك ما يرضيك فترضى، ولقد أعطاه الله ما يرضيه صلى الله عليه وسلّم، فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة مقاماً محموداً، يحمده فيه الأولون والآخرون، حتى الأنبياء وأولو العزم من الرسل لا يستطيعون
_________
(١) تقدم صفحة (٢٠٥).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار باب هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه إلى المدينة (٣٩٠٤) ومسلم كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (٢٣٨٢) (٢)..


الصفحة التالية
Icon