أن يرجع إليه فليرجع يقول الله عز وجل: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾ قوله: ﴿باسم ربك﴾ قيل معناه متلبساً بذلك، وقيل مستعيناً بذلك، يعني اقرأ مستعيناً باسم الله؛ لأن أسماء الله تعالى كلها خير، وكلها إعانة يستعين بها الإنسان، ويستعين بها على وضوئه، ويستعين بها على أكله، ويستعين بها على جماعه فهي كلها عون، وقال: ﴿باسم ربك﴾ دون أن يقول باسم الله لأن المقام مقام ربوبية وتصرف وتدبير للأمور وابتداء رسالة فلهذا قال: ﴿باسم ربك﴾ إلا أنه عليه الصلاة والسلام قد رباه الله تعالى تربية خاصة ورباه كذلك ربوبية خاصة. ﴿الذي خلق﴾ أي خلق كل شيء كما قال تعالى: ﴿وخلق كل شيء فقدره تقديراً﴾ [الفرقان: ٢]. وقال تعالى: ﴿الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل﴾ [الزمر: ٦٢]. فما من شيء في السماء ولا في الأرض، من خفي وظاهر، وصغير وكبير إلا وهو مخلوق لله عز وجل ولهذا قال: ﴿خلق﴾ وحذف المفعول إشارة للعموم؛ لأن حذف المفعول يفيد العموم، إذ لو ذكر المفعول لتقيد الفعل به، لو قال خلق كذا تقيد الخلق بما ذكر فقط، لكن إذا قال ﴿خلق﴾ وأطلق صار عامًّا فهو خالق كل شيء جل وعلا. ثم قال: ﴿خلق الإنسان من علق﴾ خص الله تعالى خلق الإنسان تكريماً للإنسان وتشريفاً له؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً﴾ [الإسراء: ٧٠].
فلهذا نص على خلق الإنسان ﴿خلق الإنسان﴾ أي ابتدأ خلقه ﴿من علق﴾ جمع، أو اسم جمع علقة، كشجر اسم جمع شجرة، والعلق عبارة عن دودة حمراء من الدم صغيرة وهذا هو المنشأ الذي به الحياة؛ لأن الإنسان دم لو تفرغ من الدم لهلك.


الصفحة التالية
Icon