بصيامه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلا ما لسائر الشهور كفضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر (١)
وأن تكون في الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وهي أيام البيض.
وقوله تعالى: ﴿في ليلة القدر﴾ من العلماء من قال: القدر هو الشرف كما يقال (فلان ذو قدر عظيم، أو ذو قدر كبير) أي ذو شرف كبير، ومن العلماء من قال: المراد بالقدر التقدير، لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ [الدخان: ٣، ٤]. أي يفصل ويبين.
والصحيح أنه شامل للمعنيين، فليلة القدر لا شك أنها ذات قدر عظيم، وشرف كبير، وأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من الإحياء والإماتة والأرزاق وغير ذلك. ثم قال جل وعلا: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ هذه الجملة بهذه الصيغة يستفاد منها التعظيم والتفخيم، وهي مطردة في القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين﴾ [الانفطار: ١٧، ١٨]. وقال تعالى: ﴿الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة﴾ [الحاقة: ١ ـ ٣]. ﴿القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة﴾ [القارعة: ١ ـ ٣].
فهذه الصيغة تعني التفخيم والتعظيم فهنا قال: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ أي ما أعلمك ليلة القدر وشأنها وشرفها وعظمها، ثم بين هذا بقوله: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ وهذه الجملة كالجواب للاستفهام الذي سبقها، وهو قوله: ﴿وما أدراك ما ليلة القدر﴾ الجواب: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ أي من ألف شهر ليس فيه ليلة القدر، والمراد بالخيرية هنا ثواب العمل فيها، وما
_________
(١) أخرجه البخاري كتاب الصوم باب صيام البيض ثلاثة عشر وأربع عشرة وخمس عشرة (١٩٨١) ومسلم كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة ايام من كل شهر (١١٦٠) (١٩٤)..


الصفحة التالية
Icon