وكذلك إنضاج الثمار وغير هذا من الفوائد العديدة من هذا السراج الذي جعله الله عز وجل لعباده.
ولما ذكر السراج الوهاج الذي به الحرارة واليبوسة ذكر ما يقابل ذلك فقال: ﴿وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجَّاجاً﴾ والماء فيه رطوبة وفيه برودة، وهذا الماء أيضاً تنبت به الأرض وتحيا به، فإذا انضاف ماء السماء إلى حرارة الشمس حصل في هذا إنضاج للثمار ونمو لها على أكمل ما يكون. ﴿وأنزلنا من المعصرات﴾ يعني من السحاب، ووصفها الله بأنها معصرات كأنما تعصر هذا المطر عند نزوله عصراً، كما يعصر الثوب، فإن هذا الماء يتخلل هذا السحاب ويخرج منه كما يخرج الماء من الثوب المعصور، وقوله: ﴿ماء ثجَّاجاً﴾ أي كثير لثج يعني الإنهمار والتدفق وذلك لغزارته وقوته حتى يروي الأرض. ﴿لنخرج به﴾ أي لنخرج بهذا الماء الذي أنزل من السماء إلى الأرض ﴿حبًّا ونباتاً﴾ فتنبت الأرض ويخرج الله به من الحب بجميع أصنافه وأنواعه البر والشعير والذرة وغيرها. والنبات من الثمار كالتين والعنب وما أشبه ذلك ﴿وجنات ألفافا﴾ أي بساتين ملتفاً بعضها إلى بعض، من كثرتها وحسنها وبهائها حتى إنها لتستر من فيها لكثرتها، والتفاف بعضها إلى بعض، وهي الأشجار التي لها ساق، فيخرج من هذا الماء الثجاج الزروع والنخيل والأعناب وغيرها سواء خرج منه مباشرة أو خرج منه بواسطة استخراج الماء من باطن الأرض؛ لأن الماء الذي في باطن الأرض هو من المطر كما قال تعالى: ﴿فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين﴾ [الحجر: ٢٢]. وقال تعالى في آية أخرى: ﴿فسلكه ينابيع في الأرض﴾. [الزمر: ٢١].
ولما ذكر الله تعالى ما أنعم به على العباد ذكر حال اليوم الآخر وأنه ميقات يجمع الله به الأولين والآخرين فقال تعالى: