أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» (١) والباقي تاركه لغيرك وهذا هو الحق، أموالنا التي بين أيدينا. إما أن نأكلها فتفنى، وإما أن نلبسها فتبلى، وإما أن نتصدق بها فنمضيها وتكون أمامنا يوم القيامة. وإما أن نتركها لغيرنا لا يمكن أن يخرج المال الذي بأيدينا عن هذه القسمة الرباعية. ﴿كلا سوف تعلمون﴾ أي: سوف تعلمون عاقبة أمركم بالتكاثر الذي ألهاكم عن الآخرة ﴿ثم كلا سوف تعلمون﴾ وهذه الجملة تأكيد للردع مرة ثانية، ثم قال: ﴿كلا لو تعلمون علم اليقين﴾ يعني: حقًّا لو تعلمون علم اليقين لعرفتم أنكم في ضلال، ولكنكم لا تعلمون علم اليقين، لأنكم غافلون لاهون في هذه الدنيا، ولو علمتم علم اليقين لعرفتم أنكم في ضلال وفي خطأ عظيم. ثم قال تعالى: ﴿لترون الجحيم.
ثم لترونها عين اليقين﴾
﴿لترون﴾ هذه الجملة مستقلة ليست جواب «لو» ولهذا يجب على القارىء أن يقف عند قوله: ﴿كلا لو تعلمون علم اليقين﴾ ونحن نسمع كثيراً من الأئمة يصلون فيقولون ﴿كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم﴾ وهذا الوصل إما غفلة منهم ونسيان، وإما أنهم لم يتأملوا الآية حق التأمل، وإلا لو تأملوها حق التأمل لوجدوا أن الوصل يفسد المعنى لأنه إذا قال «كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم» صار رؤية الجحيم مشروطة بعلمهم، وهذا ليس بصحيح، لذلك يجب التنبه والتنبيه لهذا من سمع أحداً يقرأ «كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم» ينبه ويقول له: يا أخي هذا الوصل يوهم فساد المعنى، فلا تصل وقف، أولاً: لأنها رأس آية، والمشروع أن يقف الإنسان عند رأس كل آية، وثانياً: أن الوصل
_________
(١) أخرجه مسلم كتاب الزهد باب الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر (٢٩٥٨) (٣).


الصفحة التالية
Icon