ولما ذكَّر الله عز وجل عباده بهذه النعم الدالة على كمال قدرته ورحمته ذكرهم بمآلهم الحتمي الذي لابد منه، فقال عز وجل:
﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَنُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى * فَأَمَّا مَن طَغَى * وَءاثَرَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى﴾.
﴿فإذا جاءت الطامة الكبرى﴾ وذلك قيام الساعة، وسماها طامة لأنها داهية عظيمة تطم كل شيء سبقها. ﴿الكبرى﴾ يعني أكبر من كل طامة. ﴿يوم يتذكر الإنسان ما سعى﴾ لهذا اليوم الذي تكون فيه الطامة الكبرى وهو اليوم الذي يتذكر فيه الإنسان ما سعى، أي ما يعمله في الدنيا يتذكره مكتوباً بكتاب، عنده يقرأه هو بنفسه قال الله تعالى: ﴿ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً﴾ [الإسراء: ١٣، ١٤]. فإذا قرأه تذكر ما سعى أي ما عمل، أما اليوم فإننا قد نسينا ما عملنا، عملنا أعمالاً كثيرة منها الصالح، ومنها اللغو، ومنها السيىء، لكن كل هذا ننساه، وفي يوم القيامة يعرض علينا هذا في كتاب ويقال اقرأ كتابك أنت بنفسك ﴿كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً﴾ [الإسراء: ١٤]. فحينئذ يتذكر ما سعى ﴿ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً﴾ [النبأ: ٤٠]. ﴿وبُرِّزت الجحيم لمن يرى﴾ ﴿برزت﴾ أظهرت تجيء تقاد بسبعين ألف زمام كل زمام فيه سبعون ألف ملك يجرونها (١)، إذا ألقي منها الظالمون مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً،
_________
(١) أخرجه مسلم كتاب الجنة، باب جهنم (٢٨٤٢) (٢٩).


الصفحة التالية
Icon