إلا البلاغ. ثم قال تعالى: ﴿وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى. فأنت عنه تلهى﴾ هذا مقابل قوله: ﴿أما من استغنى. فأنت له تصدى﴾. ﴿وأما من جاءك يسعى﴾ أي يستعجل من أجل انتهاز الفرصة إلى حضور مجلس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿وهو يخشى﴾ أي يخاف الله عز وجل بقلبه. لعلمه بعظمته تعالى ﴿فأنت عنه تلهى﴾ أي تتلهى عنه وتتغافل لأنه انشغل برؤساء القوم لعلهم يهتدون. ﴿كلا﴾ يعني لا تفعل مثل هذا ولهذا نقول: إن ﴿كلا﴾ هنا حرف ردع وزجر أي لا تفعل مثل ما فعلت. ﴿إنها تذكرة﴾ ﴿إنها﴾ أي الآيات القرآنية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ﴿تذكرة﴾ تذكر الإنسان بما ينفعه وتحثه عليه، وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ بها القلب.
﴿فمن شاء ذكره﴾ أي فمن شاء ذكر ما نزل من الموعظة فاتعظ، ومن شاء لم يتعظ لقول الله تعالى: ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ [الكهف: ٢٩]. فالله جعل للإنسان الخيار قدراً بين أن يؤمن ويكفر، أما شرعاً فإنه لا يرضى لعباده الكفر، وليس الإنسان مخير شرعاً بين الكفر والإيمان بل هو مأمور بالإيمان ومفروض عليه الإيمان، لكن من حيث القدر هو مخير وليس كما يزعم بعض الناس مسير مجبر على عمله، بل هذا قول مبتدع ابتدعه الجبرية من الجهمية وغيرهم (١). فالإنسان في الحقيقة مخير، ولذلك إذا وقع الأمر بغير أختياره كالمكره والنائم والنسي ونحوهم لم يترتب عليه حكمه فيما بينه وبين الله تعالى ﴿فمن شاء ذكره﴾ أي ذكر ما نزل من الوحي فاتعظ به، ومن شاء لم يذكره، والموفق من وفقه الله عز وجل. ﴿في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة﴾ أي أن هذا الذكر الذي تضمنته هذه الايات ﴿في صحف مكرمة. مرفوعة مطهرة﴾ معظمة عند الله، والصحف جمع صحائف، والصحائف جمع صحيفة وهي ما يكتب فيه القول. {بأيدي
_________
(١) انظر تفصيل ذلك في مجموع وفتاوى ورسائل فضيلة شيخنا رحمه الله ٢/ ٩٠ فتوى رقم (١٩٥).