وقيل: معنى قوله: لا يستحيي: لا يترك، لأن أحدنا إذا استحى من شيء تركه، ومعناه: إن الله لا يترك ضرب المثل ببعوضة فما فوقها إذا علم أن فِيهِ عبرة لمن اعتبر وحجة على من جحد.
وقوله: ما بعوضة: ما: زائدة مؤكدة كقوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، ولا إعراب لها، والناصب والخافض يتعداها إلى ما بعدها، ونصبت بعوضة على أنها المفعول الثاني ل يضرب، لأن يضرب ههنا معناه: يجعل.
هذا الذي ذكرنا هو قول البصريين.
والبعوض: صغار البق، الواحدة: بعوضة.
وقوله: فما فوقها: قال ابن عباس: يعني الذباب والعنكبوت.
وهما فوق البعوض، وقد استشهد على استحسان ضرب المثل الحقير فِي كلام العرب بقول الفرزدق:

ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
ويقول أيضا:
وهل شيء يكون أذل بيتا من اليربوع يحتفر الترابا
وقوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٢٦] : مدحهم الله بعلمهم أن المثل وقع فِي حقه، وذم الكافرين بإعراضهم عن طريق الاستدلال وإنكارهم ما هو صواب وحكمة، يقولون: أي شيء أراد الله بهذه الأمثال؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، كأنهم قالوا: أي فائدة فِي ضرب المثل بهذا؟ وفي نصب قوله: مثلا وجوه: أحدها: الحال، لأنه جاء بعد تمام الكلام، كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا مبينا؟ والثاني: التمييز والتفسير للمبهم، وهو هذا، كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا من الأمثال؟ والثالث: القطع، كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا المثل؟ إلا أنه لما جاء نكرة نصب على القطع من اتباع المعرفة.
وهذا قول الفراء.


الصفحة التالية
Icon