وأصله من المألكة والألوك وهي الرسالة.
قوله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠] : الخليفة: الذي يخلف الذاهب، أي: يجيء بعده، يقال: خلف فلان مكان فلان، وأصل الخليفة: خليف، بغير هاء، لأنه فعيل بمعنى فاعل كالعليم والسميع، فدخلت الهاء للمبالغة بهذا الوصف، وكما قالوا: راوية وعلامة.
ألا ترى أنهم جمعوه خلفاء كما يجمع فعيل، ومن أنث لتأنيث اللفظ قال فِي الجمع: خلائف.
وقد ورد التنزيل بها، قال الله تعالى: ﴿خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: ٦٩]، وقال: ﴿خَلائِفَ فِي الأَرْضِ﴾ [يونس: ١٤].
وأراد بالخليفة: آدم، فِي قول جميع المفسرين، جعله خليفة عن الملائكة الذين كانوا سكان الأرض بعد الجن، وذلك أن الله خلق السماء والأرض، وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء، وأسكن الجن الأرض، فعبدوا دهرا طويلا فِي الأرض ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث الله إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن.
رأسهم إبليس، وهم خزان الجنان، اشتق لهم اسم من الجنة، فهبطوا إلى الأرض وطردوا الجن عن وجوهها إلى شعوب الجبال وجزائر البحور وسكنوا الأرض.
وكانوا أخف من الملائكة عبادة، لأن أهل السماء الدنيا أخف عبادة أخف من الذين فوقهم، وكذلك أهل كل سماء، وهؤلاء الملائكة لما صاروا سكان الأرض خفف الله عليهم العبادة، فأحبوا البقاء فِي الأرض، وكان الله قد أعطى إبليس ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنان، وكان يعبد الله تارة فِي الأرض وتارة فِي السماء وتارة فِي الجنة، فأعجب بنفسه وتداخله الكبر، فاطلع الله عز وجل على ما انطوى عليه من الكبر، فقال له ولجنده: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠].


الصفحة التالية
Icon