ثم أوعد على ذلك فقال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ [آل عمران: ٢٨] أي: اتخاذ الأولياء من الكفار، ﴿فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ [آل عمران: ٢٨] أي: من دين الله، والمعنى: أنه قد برئ منه وفارق دينه.
ثم استثنى فقال: ﴿إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: ٢٨] يقال: تقيته تقاة وتقى وتقية.
وهذا في المؤمن إذا كان في قوم كفار ليس فيهم غيره، وخافهم على نفسه وماله، فله أن يداريهم باللسان، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه.
قال ابن عباس: يعني: مداراة ظاهرة.
﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨] يخوفكم الله على موالاة الكفار عذاب نفسه، قال الزجاج: معنى نفسه: إياه، كأنه قال: وحذركم الله إياه.
﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: ٢٨] أي: إليه يرجع الخلق كلهم بعد الموت.
قوله: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ [آل عمران: ٢٩] يعني: من مودة الكفار وموالاتهم، أو تبدوه أي: تظهروه، يعلمه الله أي: يجازيكم على ذلك، لأنه عالم به، ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [آل عمران: ٢٩] إتمام التحذير، لأنه إذا كان لا يخفى عليه شيء فكيف عليه الضمير؟ وقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٩] تحذير من عقاب من لا يعجزه شيء.
قوله: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: ٣٠] يريد بيان ما عملت بما ترى من صحائف الحسنات، ويجوز أن يكون المعنى: جزاء ما عملت بما ترى من الثواب، ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آل عمران: ٣٠] قال مقاتل: كما بين المشرق والمغرب.
وقال الحسن: يسر أحد أن لا يلقى عمله أبدا.
والأمد: الغاية التي ينتهي إليها.
﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: ٣٠] قال الحسن: من رأفته بهم أن حذرهم نفسه ولم يهلكهم من غير تحذير.


الصفحة التالية
Icon