قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُ جَارِيَةً مِنْ سَبْيِ جَلُولا، وَيَوْمَ جَلُولا فُتِحَتْ مَدَائِنُ كِسْرَى فِي قِتَالِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَدَعَا بِهَا عُمَرُ فَأَعْتَقَهَا، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران: ٩٢]
﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {٩٣﴾ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٩٤﴾ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٩٥﴾ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴿٩٦﴾ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿٩٧﴾ } [آل عمران: ٩٣-٩٧] قوله تعالى: ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [آل عمران: ٩٣] الآية، قال المفسرون: لما ادعى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه على ملة إبراهيم عليه السلام قالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ ! فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كان ذلك حلالا لإبراهيم فنحن نحله».
فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه فإنه كان محرما على إبراهيم ونوح.
فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم ﴿كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ [آل عمران: ٩٣] وهو يعقوب، وذلك أنه مرض مرضا، فنذر لئن عافاه الله ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحبَّها إليه لُحْمَانُ الإبل وألبانُها، فحرمها الله على ولده، وكان هذا قبل نزول التوراة، وذلك قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا﴾ [آل عمران: ٩٣] لتعرفوا أن هذا التحريم إنما كان من جهة يعقوب، ولم يكن في زمن إبراهيم ولا نوح، ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: ٩٣] فيما تدعون.