وألف الله بين قلوبهم، فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فدخلهم من ذلك شيء، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٣]، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قام بين الصفين فقرأهن، ورفع صوته، فلما سمعوا صوت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنصتوا له، وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا، وجثوا يبكون.
قوله: وكيف تكفرون الآية، قال الزجاج: أي: على أي حال يقع منكم الكفر، وآيات الله التي تدل على توحيده، ونبوة نبيه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾ [آل عمران: ١٠١] محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أظهركم؟ ! ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٠١] يتمسك بحبل الله ويمتنع به، ﴿فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: ١٠١] يعني الإسلام.
قوله ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٠٢] قال ابن مسعود: حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وقال الكلبي، عن ابن عباس: لما نزلت هذه الآية شق على المسلمين مشقة شديدة ولم يطيقوا ذلك.
وحق تقاته: أن يطاع فلا يعصى طرفة عين، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، فلم يطق ذلك العباد، فأنزل الله على نبيه عليه السلام: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] يقول: ما أطقتم.
فلم يكلف العباد من طاعته وعبادته إلا ما استطاعوا، فنسخت هذه الآية ما قبلها.