والاستيثاق منه بأن لا يدخله شيء، والختم على الوعاء يمنع الدخول فِيهِ والخروج منه، كذلك الختم على قلوب الكفار، يمنع دخول الإيمان فِيها وخروج الكفر منها، وإنما يكون ذلك بأن يخلق الله الكفر فِيها، ويصدهم عن الهدى فلا يدخل الإيمان فِي قلوبهم كما قال الله عز وجل: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾ [الجاثية: ٢٣] وقوله: ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] وحَّد السمع لأنه مصدر، والمصادر لا تثنى ولا تجمع، وقال سيبويه: اكتفى من الجمع بالواحد لأنه توسط جمعين فصار كقوله: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وقوله ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨].
وتم الكلام، ههنا، ثم قال: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [البقرة: ٧] الأبصار: جمع البصر وهو العين، يقال: تبصرت الشيء إذا رأيته.
والغشاوة: الغطاء، ويقال للجلدة التي على الولد: غشاوة.
ومثل هذه الآية فِي المعنى قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ [النحل: ١٠٨]، وطبع فِي المعنى ك ختم.
قال الزجاج فِي هذه الآية: إنهم كانوا يسمعون ويبصرون ويعقلون ولكن لم يستعملوا هذه الحواسَّ استعمالا ينفعهم، فصاروا كما لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر.
وقوله: ﴿ولهم عذاب عظيم﴾ العذاب: كل ما يُعَنِّي الإنسان ويشق عليه، والعظيم: فعيل من العظم، وهو كثرة المقدار فِي الجثة، ثم قيل: كلام عظيم، وأمر عظيم.
أي: عظيم القدر، يريدون به: المبالغة فِي وصفه.
ومعنى وصف العذاب العظيم: هو المواصلة بين أجزاء الآلام، بحيث لا يتخللها فرجة.