ليلة مظلمة فِي مغارة، فاستضاء بها واستدفأ، ورأى ما حوله، فاتقى ما يحذر ويخاف، وأمن، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره، فبقي مظلما خائفا متحيرا، كذلك المنافقون، لما أظهروا كلمة الإيمان استناروا بنورها، واعتزوا بعزها وأمنوا، فناكحوا المسلمين ووارثوهم، وأمنوا على أموالهم وأولادهم، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وبقوا فِي العذاب، وذلك معنى قوله: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة: ١٧].
وكان يجب فِي حق النظم أن يكون اللفظ: فلما أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره، ليشاكل جواب لما معنى هذه القصة، ولكن كان إطفاء النار مثلا لإذهاب نورهم، أقيم إذهاب النور مقام الإطفاء، وجعل جواب لما اختصارا وإيجازا.
ومعنى ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة: ١٧] وهو أن الله تعالى يسلب المنافقين ما أعطوا من النور مع المؤمنين فِي الآخرة، وذلك قوله تعالى، فيما أخبر عنهم: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ [الحديد: ١٣].
قوله: صم أي: هم صم، جمع أصم، وهو المُنْسَدُّ الأذن، يقال: رمح أصم إذا لم يكن أجوفَ.
وصخرة صماء: إذا كانت صلبة.
وإنما وصفوا بالصم لتركهم قبول ما يسمعون، والعرب تقول لمن يسمع ولا يعمل على ما يسمعه: أصم.
بكم أي: عن الخير فلا يقولونه، عمي لتركهم ما يبصرون من الهدى والقرآن.
وقوله: فهم لا يرجعون أي: عن الجهل والعمى إلى الإيمان.
﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ {١٩﴾ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٢٠﴾ } [البقرة: ١٩-٢٠] قوله: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٩] الآية، الصيب من المطر: الشديد، من قولهم: صاب يصوب، إذا نزل من علو إلى سفل.
والسماء: كل ما ارتفع وعلا، يقال لسقف البيت: سماء.
ومنه قوله تعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ [الحج: ١٥]، والسماء: السحاب، من سما يسمو.
وقوله: فِيهِ: أي فِي ذلك الصيب، ظلمات: جمع ظلمة، والمطر لا يخلو من ظلمة، لأنه يأتي من السحاب، والسحاب يغشي الشمس بالنهار، والنجوم بالليل فيظلم الجو.