من تحكيم اليهود إياه بعد علمهم بما في التوراة من حكم الزاني وحدّه، ثم إعراضهم وتركهم القبول لحكمه، فعدلوا عما يعتقدونه حكما إلى ما يجحدون أنه من عند الله طلبا للرخصة، فظهر جهلهم في هذه القصة.
وقوله: ﴿فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٣] قال ابن عباس: يريد: الرجم، ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [المائدة: ٤٣] أي: يعرضون عما في التوراة من الحكم، ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٤٣] وما أولئك الذين يعرضون عن الرجم بالمؤمنين.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى﴾ [المائدة: ٤٤] بيان الحكم الذي جاءوا يستفتون فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونور: بيان أن أمر محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حق، ﴿يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ﴾ [المائدة: ٤٤] من لدن موسى إلى عيسى.
قال ابن عباس: وذلك أن الله بعث في بني إسرائيل ألوفا من الأنبياء ليس معهم كتاب، إنما بعثهم بإقامة التوراة، وهو قوله: الذين أسلموا أي: الذين انقاضوا لحكم التوراة.
للذين هادوا: قال ابن عباس: تابوا من الكفر، أي: يحكمون بالتوراة لهم وفيما بينهم.
والربانيون والأحبار فقهاء اليهود وعلماؤهم، واحدها حَبْر وحِبْر ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ٤٤] قال ابن عباس: بما استودعوا وكلفوا حفظه من كتاب الله، ﴿وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ [المائدة: ٤٤] كانوا شهداء على الكتاب أنه من عند الله، ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ﴾ [المائدة: ٤٤] في إظهار صفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
واخشون في كتمان ذلك والخطاب لعلماء اليهود ولا تشتروا: ولا تستبدلوا بآياتي: بأحكامي وفرائضي ثمنا قليلا يعني: متاع الدنيا وهو قليل، لأنه ينقطع ويذهب.
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: ٤٤] اختلفوا في هذا وفيما بعده من قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥]، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٤٧] فقال جماعة: إن الآيات الثلاث نزلت في الكفار ومن غيّر حكم الله من اليهود، وليس في أهل الإسلام منها شيء، لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة لا يقال له كافر، وهذا قول قتادة، والضحاك، وأبي صالح، ورواية البراء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


الصفحة التالية
Icon