أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها لهم، فبطل ذلك في ذلك اليوم.
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ {٢٥﴾ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٢٦﴾ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٢٧﴾ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٢٨﴾ } [الأنعام: ٢٥-٢٨] وقوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ [الأنعام: ٢٥] الآية، نزلت في نفر من المشركين منهم النضر بن الحارث، جلسوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟ فقال: أساطير الأولين مثلما كنت أحدثكم عن القرون الماضية.
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ [الأنعام: ٢٥] الأكنة: هو ما ستر الشيء، يقال: كننت الشيء وأكننته: سترته، قال ابن عباس: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ [الأنعام: ٢٥] يعني: القرآن ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [الأنعام: ٢٥] غطاء أن يفهموه ويعوه.
قال الزجاج: والتقدير: كراهة أن يفقهوه، فحذف المضاف.
﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الأنعام: ٢٥] الوقر: الثقل في الأذن، قال ابن عباس: صمما.
وقال الضحاك: ثقلا.
وليس المعنى أنهم لم يعلموا ولم يسمعوا، ولكنهم حرموا الانتفاع به، فكانوا بمنزلة من لم يعلم ولم يسمع.
وهذه الآية دلالة صريحة على أن الله تعالى يقلب القلوب، فيشرح بعضها للهدى، ويجعل بعضها في أكنة فلا يفقه صاحبها كلام الله تعالى ولا يؤمن به، وهو قوله: ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا﴾ [الأنعام: ٢٥] أي: كل علامة تدلهم على نبوتك لا يصدقوا بها، هذا حالهم في البعد عن الإيمان ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ﴾ [الأنعام: ٢٥] يخاصمونك في الدين ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام: ٢٥] ما هذا القرآن إلا ما سطره الأولون، أي: كتبوه من أحاديثهم، وواحد الأساطير: أسطورة، مثل أحدوثة وأحاديث، وقال أبو زيد الأخفش: لا واحد لها مثل عبابيد وأبابيل.


الصفحة التالية
Icon