وقال الفراء: معنى التخفيف: لا يجعلونك كذابا، ولكن يقولون: إن ما جئت به باطل.
ويجوز أن يكون معنى القراءتين سواء، يقال: كذبته وأكذبته، إذا نسبته إلى الكذب.
ثم أخبر الله تعالى أن الرسل قبله قد كذّبتهم الأمم، فقال: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [الأنعام: ٣٤] قال ابن عباس: من لدن نوح إليك.
﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا﴾ [الأنعام: ٣٤] رجاء ثوابي، وأوذوا: حتى نشروا بالمناشير وحرقوا بالنار ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ [الأنعام: ٣٤] بتعذيب من كذبهم ﴿وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ٣٤] لا ناقض لما حكم به، وقد حكم في كتابه بنصر أنبيائه كقوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١]، وكقوله: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا﴾ [الصافات: ١٧١] الآيات.
﴿وَلَقدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٤] أي: خبرهم في القرآن، وكيف أنجيناهم ودمرنا قومهم.
قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ [الأنعام: ٣٥] أي: عظم عليك وشق أن أعرضوا عن الإيمان بك وبالقرآن.
وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحرص على إيمان قومه أشد الحرص، وكانوا إذا سألوه آية أراد أن يريهم الله ذلك طمعا في إيمانهم، فقال الله عز وجل: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ﴾ [الأنعام: ٣٥] وهو السَّرَب له مخلص إلى مكان آخر، ﴿أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ﴾ [الأنعام: ٣٥] يقول الله تعالى: إن استطعت أن تغوص في الأرض، أو ترقى في السماء فتأتي قومك بآية فافعل.
قال الزجاج: أعلم الله أنه بشر لا يقدر على الإتيان بالآيات، وفي تعجيزه عن الإتيان بما سألوا أمر له بالصبر إلى أن يدخل وقت العقاب.
قوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ [الأنعام: ٣٥] أخبر الله تعالى أنهم إنما تركوا الإيمان بمشيئة الله، ونافذ قضائه فيهم، ولو شاء الله لاجتمعوا على الإيمان، كما قال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٩٩].
قوله: ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٥] فإنه يؤمن بك بعضهم دون بعض، وإنهم لا يجتمعون على الهدى، ثم ذكر من يؤمن، فقال: {


الصفحة التالية
Icon