وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ﴾ [الأعراف: ٩٤] قال ابن عباس: يريد في مدينة.
والقرى في كتاب الله كله المدائن، وقوله: من نبي هو محذوف الصفة لأن التقدير من نبي فكذب، أو فكذبه أهلها ﴿إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ [الأعراف: ٩٤] يعني: الفقر والجوع والأسقام لعلهم يضرعون أي: يتذللون ويستكينون، ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ﴾ [الأعراف: ٩٥] يعني بالسيئة: البؤس والمرض، وبالحسنة: الغنى والصحة، والمعنى: أنه يعطيهم بدل ما كانوا فيه من البؤس والمرض، المال والصحة، أخبر الله أنه يأخذ أهل المعاصي بالشدة تارة وبالرخاء تارة، وقوله: حتى عفوا أي: كثروا وزادوا وكثرت أموالهم، يقال: عفا الشعر والوبر إذا كثر، وقال مجاهد: كثرت أموالهم وأولادهم.
﴿وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ﴾ [الأعراف: ٩٥] يعني: لما صاروا على الرخاء قالوا: قد مس آباءنا من الدهر الشدة والرخاء، وتلك عادة الدهر ولم يكن ما مسنا عقوبة من الله فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم لم يقلعوا عن دينهم بما مسهم من الضراء.
وقوله: فأخذناهم بغتة أي: لما فسدوا على الأمرين جميعا أخذناهم بغتة، آمَنَ ما كانوا ليكون أعظم في الحسرة، ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] بنزول العذاب، وإنما أخبر الله تعالى بهذا عن الأمم السالفة، فليعتبر أولئك المشركون الذين كانوا يكذبون محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا﴾ [الأعراف: ٩٦] قال ابن عباس: وحدوا الله واتقوا الشرك.
﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف: ٩٦] قال: يريد: الأمطار والخصب وكثرة المواشي والأنعام، ولكن كذبوا الرسلَ فأخذناهم بالجدوبة والقحط ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الأعراف: ٩٦] من الكفر والمعصية ثم خوف كفار مكة فقال: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ {٩٧﴾ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴿٩٨﴾ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٩٩﴾ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ﴿١٠٠﴾ } [الأعراف: ٩٧-١٠٠] ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى﴾ [الأعراف: ٩٧] قال ابن عباس: يعني: مكة وما حولها ﴿أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا﴾ [الأعراف: ٩٧] عذابنا بياتا ليلا ﴿وَهُمْ نَائِمُونَ {٩٧﴾ أَوَ أَمِنَ} [الأعراف: ٩٧-٩٨] هذه واو العطف دخلت عليه همزة استفهام، وقرأ نافع أو بسكون الواو فيكون المعنى: أفأمنوا إحدى هذه العقوبات، والضحى صدر النهار وقت انبساط الشمس.