تعلمون أي: تعلمون أنها أمانة من غير شبهة، وقال صاحب النظم: وأنتم تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الخلق خيانة لله ورسوله.
وقوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: ٢٨] أي: محنة يظهر بها ما في النفس من اتباع الهوى أو تجنبه، وكان لأبي لبابة مال وولد وأهل في قريظة، لذلك مال إليهم في إطلاعهم على أن حكم سعد فيهم القتل، وقوله: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٢٨] قال ابن عباس: يريد: لمن نصح لله ولرسوله وأدى أمانته، وقوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] إن تتقوه باجتناب المعاصي ﴿يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩] بين حقكم وباطل من يبغيكم السوء من أعدائكم بنصره إياكم عليهم.
وهذا قول مقاتل، وقال عكرمة، والسدي: فرقانا نجاة، يعني: أن الله يفرق بينكم وبين من تخافون، فتنجون.
والفرقان مصدر لفرق، ﴿وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [الأنفال: ٢٩] يمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم، ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: ٢٩] أي: أنه يملك الفضل العظيم فاكتفوا بالطلب من عنده دون غيره.
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال: ٣٠] قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: إن مشركي قريش تآمروا في دار الندوة في المكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال بعضهم: قيدوه نتربص به ريب المنون.
وقال بعضهم: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه.
وقال أبو جهل: ما هذا برأي ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل، فيضربون بأسيافهم ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلها، فيرضون بأخذ الدية، فأوحى الله عز وجل إلى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك وأمره بالخروج إلى المدينة، فخرج إلى الغار، فذلك قوله: ليثبتوك أي: ليوثقوك ويشدوك وكل من شُدَّ فقد أُثبت لأنه لا يقدر على الحركة في الذهاب والمجيء، وقال السدي: ليحبسوك في بيت.
أو يقتلوك كما قال اللعين أبو جهل، أو يخرجوك من مكة إلى طرف من أطراف الأرض، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٠] قال الزجاج: ومكر الله بهم إنما هو مجازاة ونصر للمؤمنين.
﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: ٣٠] : لأنه أهلك هؤلاء الذين دبروا لنبيه الكيد، وخلصه منهم، وذكرنا معنى هذا عند قوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٥٤] الآية.