والنعمة التي أنعم الله عليهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنعم الله به على قريش فكفروا به وكذبوه، فنقله إلى الأنصار كدأب أي: كصنيع آل فرعون كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ، يعني: أهل مكة كذبوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والقرآن، كما كذبوا هم بموسى عليه الصلاة والسلام والتوراة، فأهلكناهم بذنوبهم يعني أهل مكة، أهلكهم الله ببدر، ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ﴾ [الأنفال: ٥٤] ذكر عقوبة الفريقين لما شبه فعل أحدهما بفعل الآخر، وكل من الفريقين، كانوا ظالمين، ثم ذكر اليهود.
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ {٥٥﴾ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ ﴿٥٦﴾ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿٥٧﴾ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴿٥٨﴾ وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ﴿٥٩﴾ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴿٦٠﴾ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦١﴾ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴿٦٢﴾ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٦٣﴾ } [الأنفال: ٥٥-٦٣] فقال: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٥٥] أراد بالدواب الإنس خاصة، كأنه قال: إن شر الناس عند الله الذين كفروا قال مقاتل: يعني يهود قريظة منهم: كعب بن الأشرف وأصحابه، وهم الذين قال الله: ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٦] أي: من اليهود، ﴿ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ [الأنفال: ٥٦] أي: كلما عاهدتهم نقضوا العهد ولم يفوا به، ﴿وَهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ [الأنفال: ٥٦] نقض العهد.
﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ﴾ [الأنفال: ٥٧] قال الليث: يقال: ثقفنا فلانا في موضع كذا.
أي أخذناه.
قال الزجاج: ومعناه الإدراك بسرعة.
قال الكلبي: أي: أسرتهم في الحرب.
وقال مقاتل: إن أدركتهم في القتال وأسرتهم.
﴿فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٧] التشريد: التنفير والتفريق، والمعنى: فرق بهم جمع كل ناقض، أي: افعل بهم فعلا من القتل والتنكيل يفرق عنك من خلفهم من أهل مكة، وأهل اليمن، قال ابن عباس: نكل بهم تنكيلا، يشرد غيرهم من ناقضي العهد.
لعلهم يذكرون النكال فلا ينقضون العهد، والتأويل: فشرد بقتلهم والاتكاء فيهم مَن بعدهم يكن ذلك تخويفا لهم من نقض العهد فلا ينقضوا.
قوله: وإما تخافن قال ابن عباس: تعلمن.
﴿مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً﴾ [الأنفال: ٥٨] نقضا للعهد، ﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ﴾ [الأنفال: ٥٨] انبذ عهودهم التي عاهدتهم عليها إليهم، يقول: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا، فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطت لهم ليكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد