عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةٌ وَثَلاثُونَ رَجُلا وَامْرَأَةً، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ أَسْلَمَ فَصَارُوا أَرْبَعِينَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {٦٤﴾ يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ﴿٦٥﴾ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٦٦﴾ } [الأنفال: ٦٤-٦٦]
﴿يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ٦٤] قال الفراء: المعنى: يكفيك الله ويكفي من اتبعك من المؤمنين.
قال: وإن شئت جعلت من في موضع رفع وهو أحب إلي.
قال الزجاج: ومن رفع فعلى العطف على الله، والمعنى: فإن حسبك الله وأتباعك من المؤمنين.
قوله: ﴿يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ [الأنفال: ٦٥] التحريض: الحث على الشيء، قال ابن عباس: حضهم على نصر دين الله، ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٥] يريد الرجل من المسلمين بعشرة من الكفار في القتال، ﴿وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٥] أيها المؤمنون مئة رجل ﴿يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنفال: ٦٥] قرئ يكن بالياء، والتاء: فمن قرأ بالياء فلأنه يراد بالمائة المذكر لأنهم رجال في المعنى، يدل على ذلك قوله: يغلبوا، ومن قرأ بالتاء فللتأنيث في لفظ المائة، وكان أبو عمرو يقرأ هذا، قوله: فإن يكن منكم مائة صابرة بالتاء لأن التأنيث ههنا أشد مبالغة، حيث وصفت المائة بالصابرة، ولم يقل: صابرون.
وهناك قال: يغلبوا فكان إلى التذكير أقرب، وقوله: ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] أي: أن المشركين يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب، فلا يثبتون إذا صدقتموهم القتال لأنهم يقاتلون على جهالة، قال الوالبي، عن ابن عباس: أمر الله الرجل من المؤمنين أن يقاتل عشرة من الكفار، فشق ذلك عليهم فرحمهم وأنزل: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٦].
قال الكلبي: هون الله عليكم وعلم أن فيكم ضعفا، وقرئ: ضُعْفًا وهما لغتان مثل الفقر والفُقْر، ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ [الأنفال: ٦٦] قال ابن عباس: صار الرجل برجلين، كان كتب عليهم ألا يفر رجل من عشرة، ثم قال: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٦] وكتب عليهم ألا يفر مائة من مائتين.
وقوله: بإذن الله بيان أن لا تقع الغلبة، إلا أن يريد الله ذلك، ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: ٦٦] قال ابن عباس: يريد الذين صبروا على دينهم وعلى طاعة الله.


الصفحة التالية
Icon