قال الحسن: وكان نبيذ ذبيب يسقون الحاج في الموسم، وقوله: ﴿وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] قال ابن عباس: يريد تدبيره وتخليقه، ﴿كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [التوبة: ١٩] أي: كإيمان من آمن بالله، يقول الله منكرا عليهم: أسويتم بين سقي الحاج وعمارة المسجد، وبين إيمان المؤمنين بالله، ﴿لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٩] في الثواب، قال ابن عباس: أخبر أن عمارتهم المسجد وقيامهم على السقاية لا ينفعهم مع الشرك بالله، وأن الإيمان بالله والجهاد مع نبيه خير مما هم عليه.
﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ١٩] سماهم الله ظالمين بشركهم، ثم نعت المهاجرين فقال: الذين آمنوا إلى قوله: ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٢٠] أي: من الذين افتخروا بعمارة البيت، وسقي الحاج، ومن كل أحد، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [التوبة: ٢٠] الذين ظفروا بأمنيتهم من الخير، ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ﴾ [التوبة: ٢١] قال الزجاج: يعلمهم في الدنيا ما لهم في الآخرة من الرحمة والرضوان، والجنات التي ﴿لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: ٢١] النعيم نقيض البؤس، وهو لين العيش، والمقيم: الدائم لا يزول.
﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {٢٣﴾ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٢٤﴾ } [التوبة: ٢٣-٢٤] قوله: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [التوبة: ٢٣] الآية: قال ابن عباس: كان قبل فتح مكة من آمن ولم يهاجر لم يقبل الله إيمانه حتى يهجر أقاربه الكفار.
والمعنى: لا تتخذوهم أصدقاء تؤثرون المقام بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام، إن استحبوا أي: اختاروا، وكان الكفر أحب إليهم من الإيمان، ثم أوعدهم على ذلك فقال ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [التوبة: ٢٣] قال ابن عباس: مشركون مثلهم.
فلما نزلت هذه الآية قال: يا نبي الله إن نحن اعتزلنا من خالفنا في الدين نقطع أبناءنا وعشيرتنا وتذهب تجارتنا وتخرب ديارنا، فأنزل الله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ﴾ [التوبة: ٢٤] الآية، وقوله: وعشيرتكم عشيرة الرجل: أهله الأدنون، وقرئ: وعشيراتكم وهو رديء، قال الأخفش: لا تكاد العرب تجمع من عشيرة عشيرات إنما يجمعونها عشائر، وقوله: وأموال اقترفتموها أي: كسبتموها، والاقتراف الكسب ومنه قوله: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً﴾ [الشورى: ٢٣]، يقول: إن كانت هذه