لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: ٤٣] أي: في التخلف عنك، قال ابن عباس: وذلك أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يعرف يومئذ المنافقين.
قوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ [التوبة: ٤٣] الآية، أي: حتى تعرف من له العذر في التخلف، ومن لا عذر له، فيكون إذنك لمن أذنت له على عذر.
قوله: ﴿لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [التوبة: ٤٤] الآية.
قال ابن عباس: هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوه في القعود عن الجهاد.
وقال الزجاج: أعلم الله نبيه أن علامة النفاق في ذلك الوقت الاستئذان، وإلا فالاستئذان من الإمام في القعود عن الجهاد غير مذموم.
والمعنى: في أن يجاهدوا، حذف في.
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ أي: في القعود عن الجهاد، ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [التوبة: ٤٥] قال ابن عباس: شكوا في دينهم.
﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: ٤٥] في شكهم يتمادون، ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ﴾ [التوبة: ٤٦] يعني: هؤلاء المنافقين لو أرادوا أن يخرجوا معك، ﴿لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً﴾ [التوبة: ٤٦] من الزاد والماء والظهر، لأن سفرهم بعيد، فترْكهم العدة دليل على إرادتهم التخلف، والمعنى: أنهم كانوا مياسير قادرين على أخذ العدة لو أرادوا الخروج، ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٦] انطلاقهم وخروجهم معك، يقال: بعثته لأمر كذا فانبعث.
أي: نفذ فيه، وقوله: ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٦] التثبيط: ردك الإنسان عن الشيء يفعله، قال ابن عباس: فخذلهم وكسلهم عن الخروج.
﴿وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ [التوبة: ٤٦] قال مقاتل: وحيا إلى قلوبهم، يعني: أن الله ألهمهم أسباب الخذلان وأوحى إلى قلوبهم أن اقعدوا مع القاعدين، ويجوز أن يكون بعضهم قال ذلك لبعض.
ثم أعلم الله لم كره خروجهم فقال: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ﴾ [التوبة: ٤٧] أي: فيما بينكم، يعني معكم، ﴿مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا﴾ [التوبة: ٤٧] الخبال: الفساد والشر في كل شيء، قال ابن عباس: يريد عجزا وجبنا، أي: أنهم كانوا يجبنونكم عن لقاء العدو بتهويل الأمر عليكم، وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ أي: لأسرعوا في الدخول بينكم بالتضريب والإفساد بالنميمة، والإيضاع: الإسراع، وخلال الشيء وسطه، وقوله: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي: يطلبون لكم العنت، قال الضحاك: يخوفونكم بالعدو ويخبرونكم أنكم مهزومون، وأن عدوكم سيظهر عليكم، ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٧] عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: ٤٧] قال ابن عباس: يريد المنافقين، ثم ذكر قبيح ما فعلوا قبل هذا فقال: ﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة: ٤٨] طلبوا لك العنت والشر من قبل تبوك وهو أن اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا


الصفحة التالية
Icon