وَهُمْ كَارِهُونَ ﴿٥٤﴾ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴿٥٥﴾ وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ﴿٥٦﴾ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴿٥٧﴾ } قوله: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [التوبة: ٥٣] نزلت في جد بن قيس حين قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائذن لي بالقعود وهذا مالي أعينك به.
قال الزجاج، والفراء: وهذا لفظ أمر، ومعناه معنى الشرط والجزاء، أي: إن أنفقتم طائعين أو كارهين لن يتقبل منكم.
قال ابن عباس: يريد أنه لا يتقبل من أعدائه صدقاتهم ونفقاتهم.
﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [التوبة: ٥٣] عاصين لله، على غير طريقة الإسلام.
وقوله: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ: ويقبل بالياء لأن النفقة بمعنى الإنفاق فيكون كقوله: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥]، التقدير: وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم بالله، وهذا يدل على أن الكافر لا يقبل منه عمل، ﴿وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى﴾ [التوبة: ٥٤] جمع كسلان مثل سكران وسكارى، وذلك أنهم لا يرجون لها ثوابا وإن تركوها لم يخافون عليها عقابا، ﴿وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: ٥٤] لأنهم يعدون الإنفاق مغرما.
قوله: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ﴾ [التوبة: ٥٥] يعني بالإعجاب السرور بما يتعجب منه، يقول: لا تستحسن ما أنعمنا عليهم من الأموال والأولاد فإن العبد إذا كان مستدرجا كثر ماله وولده.
﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [التوبة: ٥٥] الكناية تعود إلى الأموال دون الأولاد، والمعنى: ليعذبهم بها، بأخذ الزكاة والنفقة في سبيل الله، والمصايب فيها، والتعب في جمعها، والوجل في حفظها، ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٥٥] قال الزجاج: وتخرج أنفسهم وهم على الكفر.
﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٥٦] يحلفون بالله أنهم مؤمنون كما أنتم مؤمنون، ﴿وَمَا هُمْ مِنْكُمْ﴾ [التوبة: ٥٦] لأنهم يبطنون الكفر، ﴿وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ [التوبة: ٥٦] يخافون أن يظهر ما هم عليه، ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً﴾ [التوبة: ٥٧] مكانا يتحصن فيه، قال ابن عباس: مهربا.
أَوْ مَغَارَاتٍ وهو المكان الذي تغور فيه أن تستتر، من قولهم: غار الماء في الأرض.
قال ابن عباس: يعني سراديب.
أَوْ مُدَّخَلا أصله: مدتخل، فأبدلت التاء دالا وأدغم فيه الأول، قال قتادة: سربا.
وقال الحسن: وجها يدخلونه.
لَوَلَّوْا إِلَيْهِ لرجعوا إليه وأدبروا إليه، وَهُمْ يَجْمَحُونَ مثل ما يجمح الفرس، والمعنى: أن هؤلاء المنافقين لا بصيرة لهم في الدين ولا احتساب، وإنما هم


الصفحة التالية
Icon