وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} [التوبة: ٦٧] عن اتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والإيمان به، وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ عن النفقة في سبيل الله تعالى، نَسُوا الله: تركوا ما أمرهم الله به من طاعته، فَنَسِيَهُمْ فتركهم من كل خير، وخذلهم في الشك، ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: ٦٧] الخارجون عن أمر الله وطاعته، ثم ذكر ما وعدهم في الآخرة فقال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ﴾ [التوبة: ٦٨] الآية ظاهرة إلى قوله: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٩] رجع من الخبر عنهم إلى مخاطبتهم، وشبههم في العدول عن أمر الله، والاشتغال بالدنيا، بمن قبلهم، والمعنى: أنتم كالذين من قبلكم، يعني الأمم الخالية، ثم وصفهم بقوله: ﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ﴾ [التوبة: ٦٩] يقول: رضوا بنصيبهم في الدنيا من أنصابهم في الآخرة، وفعلتم أيضا مثل ما فعلوه، وهو قوله: فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كما فعلوا هم وَخُضْتُمْ في الطعن على الدين وتكذيب نبيكم كما خاضوا هم في الطعن على أنبيائهم، ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ [التوبة: ٦٩] لأنها لم تقبل منهم، وفي الآخِرَةِ لأنهم لا يثابون عليها، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [التوبة: ٦٩] بفوت المثوبة والمصير إلى العقوبة، ثم خوفهم الله بإهلاك من كان قبلهم من الأمم فقال: ﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٠] من الأمم، قال الزجاج: ألم يأتهم خبر الذين أهلكوا في الدنيا بذنوبهم فيتعظوا، ثم ذكرهم إلى قوله: وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ قال ابن عباس: يريد: نمروذ بن كنعان.
وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ يعني: قوم شعيب أهلكوا بعذاب يوم الظلة، ومدين اسم بلدهم، وَالْمُؤْتَفِكَاتِ يعني قرى قوم لوط، جمع مؤتفكة، وهي المنقلبة، وتلك القرى انقلبت فصار أعلاها أسفلها، يقال: أفكه فائتفك.
أي: قلبه فانقلب، أتت هؤلاء الأمم، رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ: فكذبوا بها ﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٠] قال ابن عباس: ليهلكهم حتى يبعث إليهم نبيا لينذرهم.
﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [التوبة: ٧٠] قال الزجاج: أخبر الله أن تعذيبهم كان باستحقاقهم.
قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {٧١﴾ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٧٢﴾ } [التوبة: ٧١-٧٢] ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١] قال ابن عباس: في الرحمة والمحبة.
والمعنى: بعضهم يوالي بعضا، فهم يد واحدة في النصرة، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بكلمة: لا إله إلا الله، ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [التوبة: ٧١] عن الشرك بالله، ثم ذكر سائر أوصافهم فقال وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ إلى آخر الآية.
قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [التوبة: ٧٢]، إلى قوله: وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً قال ابن عباس: يريد: قصور الزبرجد والدر والياقوت يفوح طيبها من مسيرة خمس مائة عام.
٤١٨ - أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْوَاعِظُ الصَّابُونِيُّ إِمْلاءً، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي مُوسَى الْفَقِيهُ، أنا أَبُو حَامِدٍ


الصفحة التالية
Icon