قوله: ومنهم أي: من المنافقين، ﴿مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ﴾ [التوبة: ٧٥] أي قال: على عهد الله، ﴿لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] مالا لنصدقن لنعطين الصدقة، ﴿وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [التوبة: ٧٥] لنعملن ما يعمل أهل الصلاح في أموالهم من صلة الرحم والنفقة في الخير، ﴿فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٦] ما طلبوه من المال بَخِلُوا بِهِ ولم يفوا بما عاهدوا، وهو قوله: وَهُمْ مُعْرِضُونَ أي: عن عهدهم مع الله بالصدقة والإنفاق، ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: ٧٧] صير عاقبة أمرهم النفاق، يقال: أعقبت فلانا ندامة.
أي: صيرت عاقبة أمره ذلك، وقال مجاهد: أعقبهم الله ذلك بحرمان التوبة كما حرم إبليس.
وقوله: ﴿إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ [التوبة: ٧٧] دليل على أنه مات منافقا، بإخلافه وعد الله، وكذبه في عهده، وهو قوله: ﴿بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧]، ثم ذكر أنه مطلع على سرائرهم فقال: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [التوبة: ٧٨] الآية.
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {٧٩﴾ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴿٨٠﴾ } [التوبة: ٧٩-٨٠] قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ﴾ [التوبة: ٧٩] الآية: قال قتادة: أقبل عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله يتقرب به إلى الله، فقال: يا نبي الله، هذا نصف مالي قد آتيتك به، وتركت نصفه لعيالي.
فدعا الله له أن يبارك له فيما أمسك وفيما أعطى، فلمزه المنافقون، وقالوا: ما أعطى هذا إلا رياء وسمعة.
وأقبل رجل من المسلمين يقال له: الحبحاب أبو عقيل، فقال: يا رسول الله، بت أجر بالجرير على صاعين من تمر، فأما صاع فأمسكته لأهلي وأما صاع فهو ذا.
فلمزه المنافقون وقالوا: إن كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل.
فأنزل الله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ أي: يعيبون ويغتابون، المطوعين الذين يعطون ما ليس بواجب عليهم تطوعا، ﴿وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] يعني: أبا عقيل، والجهد الطاقة، قال الليث: الجهد شيء قليل يعيش به المُقِلُّ، وقوله: ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ٧٩] أي: جازاهم جزاء سخريتهم حيث صاروا إلى النار.


الصفحة التالية
Icon