إذا ما قمتُ أَرْحَلُها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
وقوله: حَلِيمٌ قال ابن عباس: لم يعاقب أحدا إلا في الله، ولم يقتص من أحد إلا لله.
قوله: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ [التوبة: ١١٥] أي: ما كان الله ليوقع الضلالة في قلوبهم بعد الهدى حتى يبين لهم ما يتقون، فلا يتقونه، وذلك أنه لما حرم الاستغفار للمشركين على المؤمنين، بين أنه لم يكن الله ليأخذهم به قبل أن يبين تحريمه، فإذا لم يحرموه عند ذلك يستحقون الإضلال، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ {١١٧﴾ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿١١٨﴾ } [التوبة: ١١٧-١١٨] ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [التوبة: ١١٧] يعني: من إذنه للمنافقين في التخلف، وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ [التوبة: ٤٣]، وقوله: وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ يعني من هم منهم بالتخلف عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ساروا معه إلى تبوك، ﴿فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ [التوبة: ١١٧] يعني: عسرة الظَّهْر وعسرة الماء وعسرة الزاد، كان العشرة يخرجون على بعير يتعقبونه وربما مص التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها بينهم، وكانوا يعصرون الفرث ويشربونه من العطش، وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ١١٧] يميل بعضهم إلى التخلف والعصيان، قال الكلبي: هَمَّ ناس من المسلمين بالتخلف ثم لحقوه.
وقال الزجاج: من بعد ما كادوا ينصرفون عن غزوتهم للشدة، ليس أنه زائغ عن الإيمان.
وقرأ حمزة يزيغ بالياء، قال الفراء: الفعل المسند إلى المؤنث إذا تقدم عليه جاز تذكيره وتأنيثه، فذكر يزيغ كما ذكر كاد لتشابه الفعلين، وقوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ١١٧] كرر ذكر التوبة لأنه ليس في ابتداء الآية ذكر ذنبهم، فقدم الله تعالى ذكر التوبة فضلا منه، ثم ذكر ذنبهم، ثم أعاد ذكر التوبة.
وقوله: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة: ١١٨] قال ابن عباس، ومجاهد: خلفوا عن التوبة عليهم.
وهؤلاء هم المعنيون بقوله: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦].
٤٣٣ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة: ١١٨] قَالَ: هُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ


الصفحة التالية
Icon