وعلى الضد من ذلك، ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾ [يونس: ٣١] أمر الدنيا والآخرة، فَسَيَقُولُونَ الله أي: الله الذي يفعل هذه الأشياء، وذلك أنهم علموا أن الرزاق والمدبر هو الله، فإذا أقروا بعد الاحتجاج ﴿فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٣١] قال ابن عباس: أفلا تخافون الله فلا تشركوا به شيئا.
﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ﴾ [يونس: ٣٢] قال ابن عباس: يريد هذا الذي كله فعله هو الحق، ليس هؤلاء الذين جعلتم معه شركاء لا يملكون شيئا من هذا.
وقوله: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ﴾ [يونس: ٣٢] قال مقاتل: يعني: بعد عبادة الله إلا الضلال يعني عبادة الشيطان.
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ قال ابن عباس: كيف تصرف عقولكم إلى عبادة ما لا يرزق، ولا يحيي ولا يميت.
وقوله: كَذَلِكَ أي: مثل ذلك الصرف، ﴿حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ [يونس: ٣٣] يعني: خرجوا في الكفر إلى أفحشه، ﴿أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ٣٣] وهو قوله: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ [السجدة: ٢٠] الآية، وغيرها من آي الوعيد للكفا، ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ [يونس: ٣٤] الذين تعبدونهم مع الله، ﴿مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [يونس: ٣٤] يخلق أولا ثم يعيده ثانيا، ﴿قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [يونس: ٣٤] فكيف تصرفون عن الحق؟ ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ﴾ [يونس: ٣٥] يعني: آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، ﴿مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥] يرشد إلى دين الإسلام؟ ﴿قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ [يونس: ٣٥] أي: إلى الحق، ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي﴾ [يونس: ٣٥] أي: إن الله الذي يهدي ويرشد إلى الحق أهل الحق أحق أن يتبع أمره، أم الصنم الذي لا يهدي أحدا، ولا يهتدي إلى الخير، وقرئ يهدي، ويهدي، ويهدي، ويهدي، وكلها يفتعل وإن اختلفت ألفاظها، وأصلها يهتدي، فأدغمت التاء في الدال، فمن فتح الهاء ألقى عليه حركة التاء المدغم، ومن كسر الهاء فلأنها كانت ساكنة واجتمعت مع الحرف المدغم الساكن، فحرك الهاء بالكسر لالتقاء ساكنين، ومن سكن الهاء جمع بين الساكنين، ومن كسر الياء والهاء أتبع الياء ما بعدها من الكسر، قال الزجاج: وهو رديء لثقل الكسر في الياء.
فأما معنى: لا يهتدي إلا أن يهدي، فالأصنام وإن هديت لا تهتدي لأنهم موات من حجارة، ولكن الكلام يدل على أنها إن هديت اهتدت لأنهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمن يعلم ويعقل، ووصفت صفة من يعقل، وإن لم تكن في الحقيقة كذلك، قوله: فَمَا لَكُمْ قال الزجاج: ما لكم كلام تام، كأنهم قيل لهم: أي: شيء لكم في عبادة الأصنام.
ثم قيل لهم: ﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥] قال مقاتل: كيف تقضون حين زعمتم أن مع الله شريكا؟ ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا﴾ [يونس: ٣٦] ما يستيقنون أنها آلهة، بل يظنون شيئا، فيتبعون ظنا لأنهم لم يأتهم بذلك كتاب ولا رسول، ﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [يونس: ٣٦] لا يدفع من عذاب الله شيئا، أي: ظنهم أن الأصنام آلهة، وأنها تشفع لهم لا يغني عنهم شيئا، قال عطاء: يريد: ليس الظن كاليقين، يعني: يقوم مقام العلم.
﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْءَانُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ {٣٧﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ