أيها المستعجلون للعذاب إن أتاكم العذاب ليلا أو نهارا، ﴿مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: ٥٠] أي: ماذا يستعجلون منه؟ وهو استفهام معناه: التفظيع والتهويل، كما يقول لمن هو في أمر يستوخم عاقبته: ماذا تجني على نفسك؟ وهو جواب لقولهم: ﴿مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ [يونس: ٤٨] ؟ وقوله: ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ﴾ [يونس: ٥١] كان المشركون يقولون: نكذب العذاب ونستعجله، ثم إذا ما وقع آمنا به، فقال الله تعالى موبخا لهم: ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ﴾ [يونس: ٥١] العذاب وحل بكم آمنتم به؟ فلا يقبل منكم الإيمان، ويقال لكم: الآنَ تؤمنون، ﴿وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [يونس: ٥١] مستهزئين معاندين للحق، وهو قوله: ﴿ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ [يونس: ٥٢] الآية: وذلك: أن العذاب إذا لحق الكافرين أفضوا منه إلى عذاب الآخرة.
﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ {٥٣﴾ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴿٥٤﴾ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴿٥٥﴾ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٥٦﴾ } [يونس: ٥٣-٥٦] قوله عز وجل: ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ﴾ [يونس: ٥٣] أي: البعث والعذاب، أي: يستخبرونك عن ذلك، ﴿قُلْ إِي وَرَبِّي﴾ [يونس: ٥٣] قال الزجاج: نعم وربي، إِنَّهُ لَحَقٌّ إن العذاب نازل بكم، ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [يونس: ٥٣] بعد الموت، قال ابن عباس: يريد أن الله لا يعجزه شيء ولا يفوته.
﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ﴾ [يونس: ٥٤] أشركت، ﴿مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ﴾ [يونس: ٥٤] لبذلته لدفع العذاب عنها، ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [يونس: ٥٤] أي: أخفى الرؤساء في الكفر الندامة من الذين أضلوهم، وستروها عنهم.
هذا قول عامة المفسرين وأهل التأويل، وقال أبو عبيدة: الإسرار من الأضداد، يقال: أسررت الشيء.
أخفيته، وأسررته.
أعلنته، قال: ومن الإعلان قوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [يونس: ٥٤] أي: أظهروها.
واختار المفضل هذا القول، وقال: ليس ذلك اليوم يوم تصبر ولا تصنع.
﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٥٤] أي: بين الرؤساء، ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٥٤] لأنهم يجازون بشركهم.
قوله: ﴿أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [يونس: ٥٥] قال ابن عباس: يريد: ما وعد لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب.
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٥٥] يريد المشركين.
﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {٥٧﴾ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴿٥٨﴾ } [يونس: ٥٧-٥٨] يَأَيُّهَا النَّاسُ قال ابن عباس: يعني قريشا.
﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [يونس: ٥٧] يعني القرآن، وما فيه من المواعظ التي تدعو إلى الصلاح، ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ [يونس: ٥٧] أي: دواء لداء الجهل، والقرآن مزيل للجهل وكاشف لعمى القلب، وَهُدًى وبيان للضلالة، ﴿وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٥٧] ونعمة من الله تعالى لأصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ


الصفحة التالية
Icon