ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ﴿٧٤﴾ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴿٧٥﴾ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ ﴿٧٦﴾ قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ﴿٧٧﴾ } [يونس: ٧١-٧٧] قوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ﴾ [يونس: ٧١] أي: اقرأ واقصص على قومك خبر نوح وقصته مع قومه، وذلك لما فيه من الدليل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على نبوته، ولقومه من الاعتبار بقوم نوح وما حل بهم من العقوبة والتكذيب، وقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ [يونس: ٧١] يعني: نوح، ﴿يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي﴾ [يونس: ٧١] عظم وثقل وشق عليكم إقامتي بين أظهركم ولبثي فيكم ﴿وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [يونس: ٧١] قال ابن عباس: وعظي وتخويفي إياكم عقوبة الله، ﴿فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [يونس: ٧١] في نصرتي ودفع شركم عني فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ: معنى الإجماع: العزم على أمر محكم لا يخالف، وقوله: وَشُرَكَاءَكُمْ قال الفراء: وادعوا شركاءكم دعاء استغاثة بهم.
وكذلك في قراءة عبد الله، وقال الزجاج: الواو بمعنى مع، والمعنى: فأجمعوا أمركم مع شركائكم.
﴿ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً﴾ [يونس: ٧١] أي: مبهما، ليكن أمركم ظاهرا منكشفا لا تسترون معاداتي، ﴿ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ﴾ [يونس: ٧١] ثم امضوا إلي بمكروهكم، وما توعدونني به، ومعنى قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، وهذا إخبار عن نوح أنه كان ينصر الله واثقا من كيد قومه غير خائف، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أعرضتم عن الإيمان، ﴿فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ﴾ [يونس: ٧٢] أي: لم يكن دعائي إياكم طمعا في مالكم، إِنْ أَجْرِيَ ما ثوابي ﴿إِلا عَلَى اللَّهِ﴾ [يونس: ٧٢].
قوله: وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ جعل الله الذين نجوا مع نوح من الغرق خلفا ممن هلك، كما قال: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات: ٧٧] وذلك أن الناس كانوا من ذريته بعد الغرق، وهلك أهل الأرض جميعا بتكذيبهم لنوح عليه السلام سوى ذريته الذين نجوا معه، وذلك قوله: ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [يونس: ٧٣] الآية، قوله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ﴾ [يونس: ٧٤] أي: من بعد نوح ﴿رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾ [يونس: ٧٤] قال ابن عباس: يريد: إبراهيم، وهودا، وصالحا، ولوطا، وشعيبا، فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ بأنهم رسل الله فَمَا كَانُوا: أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل ﴿لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [يونس: ٧٤] يعني: قوم نوح، أي: لم يصدقوا بما كذب به قوم نوح، وكانوا مثلهم في الكفر والعتو ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ [يونس: ٧٤] قال ابن عباس: يريد: أن الله طبع على قلوبهم فأعماها، فلا يبصرون سبيل الهدى، وما بعد هذا ظاهر التفسير إلى قوله ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٧٨] ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ [يونس: ٧٨] اللفت: الصرف عن الشيء، يقال: لفته عن رأيه.
أي: لواه وصرفه عنه، والمعنى: لتصرفنا عن دين آبائنا، ﴿وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ﴾ [يونس: ٧٨] قال المفسرون: أي: الملك والعز في أرض مصر، والخطاب لموسى، وهارون، أي: إنما تطلبان التملك علينا، ﴿وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٧٨] ثم طلب فرعون السحرة ليعارضوا بسحرهم موسى، وهو قوله: {


الصفحة التالية
Icon