﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ {٩﴾ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴿١٠﴾ إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴿١١﴾ } [هود: ٩-١١] وقوله: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ [هود: ٩] قال ابن عباس: نزلت في الوليد بن المغيرة.
وقال غيره: في عبد الله ابن أبي أمية المخزومي.
والمراد بالرحمة ههنا الرزق.
وقوله: ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ﴾ [هود: ٩] شديد اليأس من رحمة الله وسعة رزقه كَفُورٌ لنعمته، وهذا بيان عما يوجبه الخلق السوء من القنوط من الرحمة عند نزول الشدة، ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ﴾ [هود: ١٠] قال ابن عباس: صحة وسعة في الرزق.
﴿بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ﴾ [هود: ١٠] بعد مرض وفقر ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾ [هود: ١٠] يريد الضر والفقر إِنَّهُ لَفَرِحٌ بطر فَخُورٌ قال ابن عباس: يفاخر أوليائي بما وسعت عليه.
﴿إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [هود: ١١] هذا استثناء منقطع ليس من الأول، معناه: لكن الذين صبروا، يعني: أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين، مدحهم الله بالصبر على الشدة والمكاره، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي: في الشدة والرخاء ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: ١١].
﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ {١٢﴾ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿١٣﴾ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴿١٤﴾ } [هود: ١٢-١٤] قوله: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ [هود: ١٢] قال أهل التفسير: قال المشركون للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ائتنا بكتاب ليس فيه سب آلهتنا حتى نتبعك ونؤمن بك.
وقال بعضهم: هل ينزل عليك ملك فيشهد لك بالصدق، أو تعطى كنزا تستغني به أنت وأتباعك.
فهمَّ رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يدع سب آلهتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ [هود: ١٢] أي: لعظيم ما يرد على قلبك من تخليطهم تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه من أمر ربك ﴿وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ [هود: ١٢] الضائق بمعنى: الضيق، قال ابن الأنباري: أن في موضع خفض بالرد على الباء في به.
يريد: وضائق به صدرك بأن يقولوا: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ﴾ [هود: ١٢] يستغني به ﴿أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود: ١٢] يشهد له بالنبوة ﴿إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ﴾ [هود: ١٢] قال الزجاج: إنما عليك أن تنذرهم وليس عليك أن تأتيهم بما يقترحون عليك من الآيات.
﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [هود: ١٢] أي: حافظ لكل شيء.
قوله: أَمْ يَقُولُونَ معناه: بل أيقولون: افترى القرآن وأتى به من عند نفسه قُلْ لهم فَأْتُوا أنتم في معارضتي ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: ١٣] مثل القرآن من البلاغة


الصفحة التالية
Icon