المعنى بوحينا إليك أن اصنعها وَلا تُخَاطِبْنِي لا تراجعني ولا تسألني ﴿فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [هود: ٣٧] أي: في مآلهم، وترك تعذيبهم، ويراد بالذين ظلموا قومه، وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ يعني: نوح ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ [هود: ٣٨] قال محمد بن إسحاق: قالوا: يا نوح صرت بعد النبوة نجارا.
وقال عامة المفسرين: إنهم رأوه ينجر الخشب ويهيئ شبه البيت العظيم، فإذا سألوه عن ذلك قال: أعمل سفينة تجري في الماء.
ولم يكونوا رأوا قبل ذلك سفينة، ولا ماء هناك فكانوا يتضاحكون ويتعجبون من عمله لها، فقال نوح: ﴿إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨] قال ابن الأنباري: إن تسخروا منا لما ترون من صنعة الفلك فإنا نعجب من غفلتكم عما أظلكم من العذاب.
﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ [هود: ٣٩] هذا وعيد وتهديد، أي: فسوف تعلمون من أحق بالسخرية منكم وهو الذي يأتيه عذاب يخزيه ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ﴾ [هود: ٣٩] أي: يجب عليه عذاب مُقِيمٌ دائم، يعني: عذاب الآخرة.
قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا﴾ [هود: ٤٠] بعذابهم وهلاكهم ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ [هود: ٤٠] ظهر الماء على وجه الأرض، وقيل لنوح: إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت وأصحابك في السفينة.
هذا قول عكرمة، والزهري، ورواية الوالبي عن ابن عباس، قال قتادة: ذكر لنا أنه أرفع الأرض وأشرفها.
وقال ابن عباس في رواية عطاء، وعطية: يريد التنور الذي يخبز فيه.
قال الحسن: كان تنورا من حجارة قيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك.
قوله: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا﴾ [هود: ٤٠] في السفينة مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ الذكر زوج والأنثى زوج.
وهو قول الحسن، وقتادة قالوا: ذكر وأنثى، وقرأ حفص: من كلٍّ بالتنوين، أراد من كل شيء، ومن كل زوج زوجين اثنين، فحذف المضاف إليه، وقوله: وَأَهْلَكَ أي: واحمل أهلك، قال المفسرون: يعني ولده وعياله.
﴿إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ [هود: ٤٠] يعني: امرأته واعلة، وابنه كنعان، وَمَنْ آمَنَ واحمل من صدقك ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠] أي: إلا نفر قليل وهم ثمانون إنسانا، وَقَالَ نوح لقومه الذين أمر بحملهم ارْكَبُوا فِيهَا أي: اركبوا الماء في السفينة ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا﴾ [هود: ٤١] أي: أجراها ومن قرأ بفتح الميم فالمجرى مصدر الجري وَمُرْسَاهَا أي: إرساؤها، والإرساء: الإثبات، يقال: رسا الشيء يرسو.
إذا ثبت، وأرساه غيره.
قال ابن عباس: تجري باسم الله وترسو باسم الله.
وقال الضحاك: كان إذا أراد أن ترسو قال: بسم الله.
فرست وإذا أراد أن تجري قال: بسم الله.
فجرت.


الصفحة التالية
Icon